تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فالّليل الطويل لدى بعض القدّيسين الحديثين هو وسيلة للحماية أوجدها الرب لقدّيسى هذه الأيام الذين يعيشون ويعملون بشكل دائم تحت الأضواء الإعلاميّة. إنه بمثابة بدلة الأسبستوس لمن يتوجّب عليه المشى وسط النيران. إنّه المادّة العازلة التى تمنع تسرب التيّار الكهربائى حتى لا يتسبّب بحدوث تماسّات.

القدّيس بول قال: "وحتى أمتنع عن الشعور بالإبتهاج نتيجة لفيض الكشوفات، فقد غُرسَتْ لى شوكة فى لحمى" (2 الكورينثياس، 12:7)

"الشوكة فى اللحم"، أى "الصمت الإلهى"، حفظت الأم تيريزا من أىّ "تسمّم" قد يحدث لها فى أوساط حديث العالم عنها، وحتى عند لحظة تسلّمها لجائزة نوبل للسلام.

قالت: "الألم الداخلى الذى أحسّ به، عظيم جدّاً إلى درجة أنّنى لا أشعر بأىّ شئ من كل ذلك الزخم الإعلامى وحديث الناس."

كم كان الكاتب والملحد "كريستوفر هيتشنز" مخطئاً عندما كتب: "الله ليس عظيماً. الدين يسمّم كل شئ،" ثمّ يقدّم الأم تيريزا على أنّها صنيعة العصر الإعلامى.

ولكن هنالك سبب أكثر عمقاً من وراء كون تلك الليالى تمتد لتشمل حياةً بأكملها، ذلك السبب هو: محاكاة المسيح.

إنّ تلك التجربة الصوفيّة هى مشاركة فى "ليل الروح الحالك" التى مرّ بها المسيح فى "جيسمان" والتى مات عندها فى "كالفارى" وهو يصرخ: "إلهى، إلهى، لماذا تخلّيت عنّى؟ "

كانت الأم تيريزا قادرة على رؤية حالتها بشكل أوضح، وكأنّها إجابة على رغبتها فى مشاركة المسيح ظمأه وهو على الصليب.

قالت: "إذا كان ألمى ومعاناتى، وظلامى وإنعزالى، ستمنحك قطرة من العزاء، يا مسيحى خاصّتى، فافعل بى ما تشاء ... إطبع معاناة قلبك على روحى وحياتى ... أريد أن أروى ظمأك بكل قطرة دم يمكنك أن تجدها عندى ... أرجوك، لا تتكبّد مشقّة العودة فى القريب. أنا مستعدّة لإنتظارك إلى الأبد."

إن من الخطأ الفادح الإعتقاد بأن كلّ حياة هؤلاء الأشخاص تمحورت حول الغمّ والمعاناة.

فهنالك عميقاً فى أرواحهم، تمتّع هؤلاء الأشخاص بطمأنينة وسرور لم يعرفها الآخرون، مستفاة من اليقين الأقوى من كلّ شك، بكونهم تحت الإرادة الإلهيّة.

القدّيس "كاثرين" من "جنوة"، يعتبرمعاناة الأرواح فى حالة -الليل الحالك- مشابهة لحالة "التطهير"، ويقول بأنّ الأخيرة "عظيمة جدّاً لدرجة يمكن مقارنتها فقط بالجحيم." ولكن فيهما كما يقول "إرتياح عظيم جدّاً" لا يمكن مقارنته إلاّ بما يعيشه القدّيسون فى الجنّة.

السرور والصفاء الذّى إنبثق من وجه الأم تيريزا لم يكن"قناعاً"، وإنّما كان انعكاساً للوحدة العميقة مع الرب، حيث كانت روحها تسكن.

لقد كانت "هى" ذاتها من "خدعت" نفسها بشأن وضعها الروحانى، وليس الناس.

جنباً إلى جنب مع الملحدين

العالم اليوم يعرف فصيلة جديدة من البشر: "الملحدون بإخلاص"، وهم أولئك الذين يعيشون الوضع المؤلم للصمت الإلهى. هم الذين لا يؤمنون بالإله، ولكنّهم لا يتفاخرون بذلك. إنّهم بالأحرى يحسّون بالألم الوجودى، وبانعدام المعنى لكلّ شئ. إنّهم أيضاً، وبطريقتهم الخاصّة، يعيشون فى "ليل الروح الحالك".

البرت كاموس أطلق عليهم إسم "القدّيسين الذبن لا إله لهم". إنّ المتصوّفين قد وُجدوا فوق كل شئ لأجل هؤلاء، فهم رفقاؤهم فى ترحالهم وفى موائدهم. وكما المسيح، فإنّ المتصوّفين أولئك "جلسوا إلى موائد المُخطئين وأكلوا معهم" (أنظر لوك 15:2).

وهذا يفسّر السبب وراء إنكباب بعض الملحدين -بعد تحوّلهم- بشغف على كتابات متصوّفين. فأشخاص مثل: كلوديل، بيرنانوس، الماريتينز، ل. بلوى، ج. ك. هيسمانس، وآخرون عديدون، إنكبّوا على كتابات "أنجيلا" من فولينجو-إيطاليا، و"تى إس إليوت"، و"جوليان النرويجيّة".

لقد وجدوا هناك مرّة أخرى، نفس المشهد الذى تركوه من قبل، لكنّه فى هذه المرّة كان مشهداً مُضاءً بالشمس. القليلون يعلمون بأنّ "صمويل بيكيت"، مؤلف "فى إنتظار جودوت" وهى الدراما الأكثر تعبيراً عن "مسرح السُخف"، كان يقرأ "القدّيس يوحنّا" فى أوقات فراغه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير