نعم تلك الآيات كانت في نظره أزهار فواحة تعبق بأجمل العطور، وكان كالنحل الذي يرتشف ذلك الرحيق؛ فلا يمل ولا يسأم، بل تبعث في نفسه حب الإقدام والاتجاه إلى الأمام , فكانت لا تفارقه في صحوته أو غفوته، ولا يكل لسانه عن ترتيلها وتلاوتها، كيف لا؟! وهو كتاب الله جلَّ علاه.
ومنذ أن حفظ كتاب الله وهو الصراط المستقيم الذي يمشي على هداه، والشمس التي يتفيّأُ ظلالها، والنور الذي يهتدي بهديه، والسند الوحيد إذا ما اشتدت عليه الخطوب.
علم فضيلة الشيخ عبد الوهاب الحافظ الشهير بدبس و زيت بشأن الأخوين هبا، وما لمسه فيهما من حب وتعلق وإتقان للقرآن الكريم؛
فقال لهما:
(قد علمت أنكما تحفظان كتاب الله , فلم لم تخبراني؟ عليكما أن تقرآ عليَّ ختمةً كاملة).
فعاد طالبا القرآن إلى شيخهما يسألانه بشأن الشيخ عبد الوهاب؟
فقال وقد ملأت الابتسامة ثغره:
(جزاه الله كل خير , احفظوا عليه , فكنت أتساهل معكم كي تحفظوا بسرعة , والآن وبعد أن أكرمكم الله بهذا الشيخ الجليل فالتزموا عنده).
ومنذ ذلك اليوم أخذا بقراءة القرآن عليه في مسجد (جركس) بعد العصر، ودعاهم سعيد الكنَّا أحد قرَّاء مسجد (عداس) كي يكونوا معهم في مجلس قراءتهم، وما إن سمعوا قراءتهم المرتلة حتى أقسموا عليهما أن يبقوا في هذا المجلس مع الثلة الفاضلة التي تعمره؛ الشيخ عبد الرحمن الدقر، والشيخ بهاء الطباع، والشيخ منير الفقير، والشيخ موفق علي ديب، والشيخ جميل زياتي. .
والتي صار لها في قراءة القرآن ما يزيد عن خمس سنين , ومن هنا بدأت قراءتهم المتناوبة؛ حيث يقرؤون يوماً، ويتوقفون يوماً، وكانت قراءتهم في الجلسة الواحدة ثلاثة أجزاء كل واحد منهم ربع حزب، وهكذا حتى يكتمل مقدار القراءة، فكانت جلسة علم وإتقان؛ فلا تسمع أذنك من يتلكَّأ أو يتوقف، وبينما هم على هذا دخل عليهم شيخ السويقة صادق علوان؛ وما إن سمع قراءتهما حتى امتدت يداه لتشير إلى شيخنا وأخيه قاسم، وقال:
(يجب أن تكون قراءتكم كقراءة هذين الاثنين).
فبالاستمرار، والدوام على القراءة كل يوم في المسجد، وكل يوم قرآن، وكل يوم درس، لا انقطاع أبداًُ، وكل يوم ثلاثاء في جامع السباهية مع المشايخ والمقرئين، ولا يسمح بالدخول والجلوس والقراءة إلا لمن أتقن وتمكَّن، ولا يسمح بالخطأ في الحصة التي يقرؤها لأحد أبداً.
وبقيت هذه الجلسة حدود أربعين سنة؛ انتقل بعدها الأخوان الشيخان قاسم وخليل الهبا إلى مسجد السباهية.
ولما سأل العلامة الشيخ حسن حبنكة رحمه الله من يوجد من القراء؟
فأشير إلى الشيخ خليل وأخيه قاسم الهبا , فطلبهما مع ثلة من قراء دمشق ليجتمعوا عنده في مسجد منجك في غرفة العلامة الشيخ حسن حبنكة رحمه الله و شكلوا مجلس القراء وهم:
الشيخ حسين خطاب والشيخ عبد الرزاق الحلبي والشيخ كريم راجح والشيخ محيي الدين أبو الحسن الكردي والشيخان الأخوان قاسم وخليل هبا.
في تلك الأثناء أشار العلامة الشيخ حسن حبنكة على الشيخان أن يجمعا القراءات العشر؛ فكان الشيخ كريم راجح خير سند لهما، فاستقبلهما في بيته ليقرآ عليه القرآن؛ فحفظا الشاطبية والدرة، وتابع الشيخ خليل قراءته على الشيخ كريم حتى ختمها، وكان عمره حينها خمسين عاماً.
تصدر الشيخ خليل لإقراء القرآن و القراءات، وانقطع لإقرائها وتعليمها بين معشر القراء والفقهاء.
وكثيراً ما يكرر عبارته قائلاً:
(ما جعلنا نستفيد ونتعلم العلوم هو دوامنا في المساجد).
• تلامذته:
وكما اعتدنا عليه كريماً معطاءً محباً للخير تابع شيخنا مسيرة العطاء فتفرع عنه العشرات بل المئات من الطلاب , وكان بيته ومتجره قبلةً يقصدها طلاب العلم من كل فجً وصوب، وتزاحم الطلبة على بابه، يقرؤون ويجودون ويحفظون، ويتقنون ويجمعون. . .
وقد قرأ عليه حفظه الله طلاب كثيرون كلهم قرؤوا من أول المصحف إلى آخره؛ من الفاتحة حتى سورة الناس؛ وأما الذين أجازهم فبلغ عددهم زهاء خمسمائة و خمسين طالباً.
أشهر تلامذته:
وأما الذين أجازهم من أولاده فهم الأستاذ محمد منصور , ومحمد عاصم , وهما الآن يقرآن حالياً مع والدهم القراءات العشر، في مجلس الجمع الذي يقيمه حفظه الله صباح كل جمعة.
وأما الذين أجازهم في مسجد السباهية مع أخيه الشيخ قاسم:
¥