تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بالدِّين طائفةٌ من المسلمين. ولكن أهمية هذا الفريق وإشارتنا إليه على وجه خاص ترجع إلى أمرين:

أولهما، هو أنَّ كرومر قد أشار إليهم في كتابه " Modern Egypt"، حيث ذكرهم في الطوائف التي أعانتِ السِّياسة الاستعمارية في تحقيق أهدافها، كما أعانوا الخديوي إسماعيل من قبلُ، حين استخدمهم في تنفيذ سياسته التي تقوم على إدخال الحضارة الغربية في مصر [2] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?CategoryID=80&ArticleID=2272#_ftn2).

والأمر الثاني: هو أن هذا الفريق، بحكم ظروفه التي ذكرتها من قبل – وهي ظروف طبيعية ليس فيها شذوذ عن المألوف – وبحكم ما كان يَحْظَى به من حمايةٍ أجنبيَّةٍ ولا سيما في مصر، قد كان أسبَقَ النَّاس إلى تأسيس الصحف. بعض هذه الصحف كان يوميًّا يحمل أنباء الأحداث العالمية، والأفكار والمذاهب السياسية، مثل صحيفة الأهرام، والمقطم، ومثل الصحف التي أسَّسها الأفغانيُّ ومَنَحَ امتيازها لرجلينِ من أبناء هذه الطائفة، وهما أديب إسحاق، وسليم نقاش. وبعضها الآخر كان أدبيًّا علميًّا، ينشر أخبار التطورات الحضارية والثقافية الغربية في العلوم والمخترعات، وفي المذاهب الاجتماعية، وفي الأدب والفلسفة والفنّ، وتمثله صحيفة المقتطف، التي انتقلت إلى مصر سنة 1884 – وكانت قد ظهرت قبل ذلك بثمانية أعوام في بيروت - وصحيفة الهلال، التي أنشئت في مصر سنة 1892. وهذا النوع الأخير الذي تمثِّلُه هاتان الصحيفتانِ، هو الذي يعنينا في هذا المكان؛ لأن أصحابه هم الذين تَزَعَّمُوا الدعوةَ إلى العِلْمانية والتَّحرُّرِية في الفِكْر العربي الحديث. وأهميَّة هذه الصحف لا ترجع إلى ما كانتْ تُذِيعه من آراء فحسب، ولكن أهميتها الكبرى ترجع إلى أنها كانتْ مركزًا لتنشئة الجيل التَّالي من الصحفيينَ على هذه المبادئ العِلْمانيَّة، وهو الجيل الذي ربَّى بدوره جيلا آخر، جاءت وتَجِيءُ من بعده أجيالٌ على شاكلته، فلم نبلغ منتصف القرن العشرين، حتى كانتِ الصَّحافةُ كلُّها في أيدي العلمانيين؛ كما لاحظ جِب ( Gibb) في كتابه " Whither Islam".

وقد ذكر ألْبرت حوراني في كتابه الذي ظهر سنة 1962 " Arabic Thought In The Liberal Age" أنَّ المسيحيِّينَ كانوا أسبَقَ أبناءِ العرب اتّصالاً بالثقافة الغربية. وأرجع ذلك إلى نشاط البَعَثَات التَّبْشِيريَّة، وانتشارِ مَدارِسِها وأدْيرتها في الشام، وفي المنطقة الساحلية منها بنوع خاصّ، مُنذُ بداية القرن الثامنَ عَشَرَ. ومع أنَّ الثقافات التي كانتْ تحملها المدارس التبشيرية، من كاثوليكية وبروتستنتية، لم تكن تتجاوز الدائرة الدينية، فإنَّ معرفةَ اللُّغةِ الفِرِنْسية واللغة الإنكليزية قد فتح آفاقًا جديدة للقِراءة أمام المسيحيينَ، فبدؤوا يقرؤون كتبًا تصور الثقافة الفرنسية الجديدة، التي تمثل علمانية الثورة الفرنسية، وأخذنا نسمع قي القرن التاسع عشر عن رجل مثل ميخائيل مشاقة، يحدثنا في كتابه "الجواب على اقتراح الأحباب" أن الشكوك بدأت تساوره في عقائده الدينية، وأنه وجد في مجتمعه كثيرًا من الناس الذين يفكرون على شاكلته [3] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?CategoryID=80&ArticleID=2272#_ftn3).

وفي الوقت نفسه ظهر في النصف الأول من القرن التاسِعَ عَشر، للمرة الأولى في العصر الحديث، عالم لغوي مسيحي هو ناصيف اليازجي، ثم أخذ عدد المهتمين بعلوم اللغة العربية من المسيحيينَ العرب يتزايد، وظهر بينهم عدد من الكتاب والشعراء [4] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?CategoryID=80&ArticleID=2272#_ftn4).

وبهذه الصلات الثقافية بين مسيحيي العرب وبين الثقافة الفرنسية والإنجليزية من ناحية، وبهذا الكَلَف الجديد بالدراسات العربية من ناحية أخرى، فُتِحَتْ عيونهم على عالَمَينِ جديدَينِ خارج الكنيسة وخارج المدارس التبشرية، وهَيَّأَهُمْ ذلك لظهور الفكر العِلْماني المُعادي للكنيسة في كثير من كتاباتهم، في الوقت الذي لم يكن فيه لهذا الفكر أثر بين معاصريهم من كتاب المسلمين ومُفَكِّرِيهِمْ [5] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?CategoryID=80&ArticleID=2272#_ftn5).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير