وقد عايشت الشيخ ليلة مع بعض الأخوة في بيته تسمح لي أن أحكي ما اشتهر بين الناس بالسند العالي وبالمشاهدة لا بالسماع ....
أما مكتبته فتشغل جزءا كبيرا من شقته، والتي كانت في يوم من الأيام ضيقة جدا، لا تسعه ولا تسع أسرته ولا مكتبته المعامرة، حتى وسع الله عليه وحصل على شقة أوسع وسعت مكتبته، ومع ذلك فإن الشقة ازدحمت بالكتب والأبحاث التي يؤلفها الشيخ ...
وكان هذا اللقاء في أواسط الثمانينات من القرن الماضي ...
حضرنا درسًا للشيخ في مسجد أبي حنيفة في عشية ليلة شاتية من ليالي الإسكندرية، ثم استضافنا الشيخ في بيته، وكان معنا شيخنا الحبيب القريب عبد الفتاح الزيني (وكان هو أمير الركب) والشيخ محمد الكردي، الداعية الهصور والمجاهد الجسور، والأخ الحبيب مجدي حسن الذي كان من أوائل المعاصرين لمشايخ الجماعات الإسلامية ... وكان أكبرنا سنا ...
نزلنا على بيت الشيخ فقدم لنا العشاء، وأبى على أي واحد منا أن يحمل أي شيء من الطعام، حتى إنه دخل ومعه الصحون أكثر من مرة فقمنا احتراما له نساعده فأمرنا أمرا أن نجلس وألا نتحرك من أماكننا ...
من معالي أخلاق هذا الداعية أنه عقد دروسا منهجية حول قضية الجهاد، تطرق فيها لتجربة الجماعات الجهادية في مصر، وكان قد ألقى تلك الدروس على مدار اثني عشر أسبوعا في وقت كانت الجماعات الجهادية تعيش عصر هدنة مع السلطة، فلما اشتدت الأزمة على جماعات الجهاد طلب بعض الدعاة من الشيخ أن يعيد تدريس تلك المادة المنهجية، فرفض الشيخ احتراما لحال الأخوة من جماعات الجهاد وما هم فيه من محنة ... وهذا يعكس الرؤية الشاملة المشفقة لهذا الداعية، وهذه من درر ما تعلمت من الدعاة، ونفعتني في المعيارية الولائية التي بها أزن مواقفي مع الجماعات الإسلامية ...
أما ورع الشيخ وعبادته فقد طبقت الآفاق، ولم يتسن لي شرف الصلاة وراءه في أيام رمضان ولكن حدثني الثقات من طلبة العلم من تلامذة الشيخ أنه كان يصلي التراويح بعد صلاة العشاء وحتى الساعة الثانية ليلا،وكان يطيل السجود والركوع جدا ...
والذي يحضر محاضرات هذا الشيخ ويتعرف على المشايخ الذين عرفوه يعرف قدر هذا الرجل، فما رأيت الدعاة والمشايخ من أهل السنة يبجلون ويحترمون أحدا مثل الشيخ محمد إسماعيل، فما أن يرد ذكره في مجلس إلا ويتسارع الناس في مدحه والثناء على إنصافه وهدوئه وعقله ...
سمعت هذا من الشيخ فريد هنداوي الفقيه وسمعته من الشيخ ياسر برهامي (وتأتي ترجمته) والشيخ سعيد عبد العظيم، والشيخ سيد حسين، (تأتي ترجمته إن شاء الله) ...
ومما تميز به الشيخ كثرة مؤلفاته المتخصصة، فله موسوعة: عودة الحجاب التي أرخ فيها للعلمانية، وللصراع بين الإسلاميين والعلمانيين، متمثلا في الحجاب، والعجيب أن الشيخ محمد بن إسماعيل عني كثيرا بتأريخ صراع الصحوة مع تحديات المجتمع العلماني، فله كتاب: تحريم حلق اللحية، وكتاب: تحريم مصافحة المرأة الأجنبية، وله: الصلاة لماذا .. وله: النصيحة في الأذكار الصحيحة ... ولو تأملنا في هذه المصنفات لوجدنا هي العلامة المميز لشباب الصحوة، الحجاب، اللحية، عدم مصافحة المرأة الأجنبية (منع الاختلاط) الصلاة، الذكر ...
ثم كان من أواخر مؤلفاته: حرمة أهل العلم، لما رأى تطاول الأغيلمة على علماء الأمة ...
ومن معاركه الشهيرة التي سطرها التاريخ مجدا للصحوة الإسلامية معركته مع أذناب العلمانية من أشباه العلماء، وذلك في معركة النقاب الشهيرة مع الدعي الجهول منصور إسماعيل (أظن اسمه كذلك وإلا فالوهم مني)، حيث أيد هذا الدعي شيخ الأزهر سيد طنطاوي، فانبرى الشيخ محمد إسماعيل يقرر المسألة لا تزحزح عن رأي علماء الصحوة المشهور بوجوب لبس النقاب للمرأة في هذا العصر، فألف: بل النقاب واجب ... حتى لا تروج مقولة الدعي: بتحريم النقاب ... فكتب الله لدعوته القبول وانتشر النقاب في مصر .. وذلك بفضل الله ثم بفضل كتابه الذي كان بمثابة الحصن الحصين والمرجعية العلمية المرموقة لجيل الصحوة في قضية النقاب التي تمثل رمز الالتزام بالنسبة لفتيات الصحوة فلله دره ...
اشتهر الشيخ محمد إسماعيل بتناوله لكل قضايا العصر، فما من قضية تشغل الرأي العام إلا ويفرد لها محاضرة يتناول فيها القضية من الناحية الإخبارية تحليلا وشرحا، ثم يتعرض لحكم الشرع إن وجد في القضية وعلاقة الصحوة بهذه القضية، حتى بلغت شرائط دروسه التي تتناول كل قضايا العصر مئات بل أظنها جاوزت الألف بمراحل ...
أما دروسه في الفقه فقد كان بدأ في شرح منار السبيل منذ سنين عديدة، وأظنه قارب على الانتهاء منه الآن ..
لقد كانت دعوة الشيخ وعمله من النوع الصعب الشاق، البطئ في خطواته، ولكنه من النوع الراسخ الذي بقي أثره وطال واتسع حتى بلغ بلاد العالم ...
وما من مركز إسلامي في أمريكا وأوروبا، وما من طالب علم جاد في بحثه إلا ويعرف هذا الشيخ بكتبه وبحوثه ... ولو قدر لطلبة العلم وشباب الصحوة جميعا أن يلتقوا به فإنهم سيجدونه الرجل المناسب ليكون على رأس مجلس الحكماء ... أنا أسميه حكيم الأمة ... بل هو بحق: إمام من أئمة السنة في هذا الزمان ...
انتهى
¥