تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

المهم خرجت من داري في وقت الضحى قرابة الساعة (11) مشيت على أقدامي لكي أصل إلى الطريق العام حتى آخذ سيارة الأجرة، توقف أمامي أحد شباب الحي وعرض علي الركوب؟ الحقيقة المشي في الهواء أفضل أحياناً من ركوب بعض السيارات!! لظروف الزمان التي مرت عليها وما تعرضت له من حوادث الدهر!!، وقد ظهر ذلك جليا على محيا سيارة صاحبي فشكرت صنيعة وحمدت فعاله، ثم أكملت المسير حتى وصلت إلى الشارع العام، وما أن وقفت على ناصيته إلا وسيارة الأجرة بين يدي فركبت معه، وأخبرته بوجهتي واتفقت معه على المبلغ وكان رجلاً سمحا – فنظرت إليه فإذا الشيب قد اشتعل في لحيته ولم يكن بالكبير لكن يبدوا أنه شيبته همومه، وكفاحه من أجل لقمت عيشه، ولو صدق في نيته وطلبه لرزق عياله واحتسب الأجر عند الله لكان ذلك عملا جليلا في ميزان الشرع؛ يؤجر عليه إن شاء الله، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- أن هذا أعظم من صدقة التطوع لكن الكثير من الناس يغفل عن هذا وأنا منهم!!،،،،،،

سألني هل أسلك الطريق الدائري؟ فقلت نعم، ثم انطلقنا، ثم أخبرني أنه قد بلغته وفاة الشيخ على رسالة جواله وبدا من كلامه التأثر، (سبحان من ينزل محبة بعض خلقه في قلوب عباده) وقال بالعامية: العلماء اللي عليهم الكلام تناقصوا!!، فانظر كيف ميز هذا العامي العالم من المتعالم!!، ثم سألني هل أصلي على الشيخ؟ قلت وما يمنعك؟ قال: لباسي!! وكان عليه قميص نوم وقد حسر عن رأسه من أجل عمله في سيارة الأجرة، قلت: لا حرج عليك، ألم أقل لكم أنه رجل طيب وفاضل يعرف أن الذهاب إلى المسجد ليس كالذهاب لغيره، وبحكم إمامتي لأحد المساجد فقد رأيت عجبا فيما يلبسه البعض عندما يأتون إلى المسجد، بصراحة لبس يستحي الواحد منا أن يلبسه في ظلمة الليل وهو خالٍ فكيف أمام الناس!! فالله أحق أن يستحي منه،،،

وصلنا إلى الطريق المؤدية للمسجد، فإذا رجال المرور ينظمون السير والطريق سالكه، مر من أمام السيارة بعض الشباب الذي ظاهره الصلاح يمشي على الأقدام، فقال صاحب الأجرة: أهل الخير الله يكثرهم، قالها بكل عفويه مما يدلك على مكانة أهل الصلاح في نفوس الناس،وأنهم في المنزلة الرفيعة،،،،

توقفت السيارة أمام ساحة المسجد، نزلت من السيارة وقد دفعت له أكثر مما اتفقنا عليه لكريم أخلاقة وطيب معشره، توجهت نحو المسجد وكانت الساعة قد اقتربت من (11.30)، والناس كالسيل المنحدر من الشعاب والأودية، هذا من الطريق العامة وآخر من وسط السوق وآخر من تحت الأرض (كراج السيارات الأرضي) لا يلوي أحد على أحد، تنظر في وجوههم هول المصيبة وآثار الحزن – وحق لهم – تنوعت بلدانهم واختلفت لهجاتهم لكن جمعتهم أخوة الدين ومحبة العلامة ابن جبرين،،،،

وبينما أنا أسير الهوينا رفعت رأسي فظهر لي جامع الأمام تركي بن عبد الله – عليه رحمة الله – فعادت بي الذاكرة وأنا أسير بنفس الخطى وفي مثل تلك الطرقات إلى إيام خلت ومجالس قضيتها بين جنبات هذا الجامع العامر، كانت هي والله أحلى وأغلى وأنفس ساعات عمري،،،،

وكأن تلك البقاع تقول لي: قف قف هذه هي النافورة في وسط الساحة لم تتغير وهذا هو السوق وهذه هي الحيطان ولسان حالها يقول: ذهب الذين يعاش في أكنافهم .... وبقيت في خلف .....

وكأنها تقول لي: ما هذا الهجر أنسيتنا أم تناسيتنا، مررت بنا شاباً يافعاً لم تتصل لحيتك، وعدت اليوم وقد وخطك الشيب!!، أنسيت دروس الفجر أما لنا عندك قدر!! هنا خفق قلبي وزاد حزني وكم هو صعب جداً أن تقف على رباع الأحبة وقد بقيت هي ورحل أصحابها عنها،،،

نعم نعم متى نسيت تلك الأيام أصلاً حتى أحتاج إلي من يذكرني بها وهل ينسى المرء نفسه!!، إخواني كنت أقطع نفس تلك الطرقات للوصل إلى حلقة الإمام الهمام حسنة الأيام الشيخ العلامة بقية السلف ابن باز – عليه من ربه الرحمة والرضوان – حيث شرفني الله بالحضور بين يديه بضع سنين أثر والله فيَّ خلقه وسمته كما تأثرت بعلمه على حد سواء، كم حييت في تلك الدروس من نفوس، وكم نثر فيها من علم وحكمة، وكم حل فيها من معضلة وأزيل فيها من شبهة، وكم وكم وكم ... من لي بمثل تلك الدروس!! - وفي كل خير إن شاء الله – لكن هذا ما أشعر به وبوحت لكم به،،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير