تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[محمد زياد التكلة]ــــــــ[16 - 07 - 09, 05:44 م]ـ

(و في البقية خير)

نعم. . .

لقد غيب الموت أحد أبرز العلماء الربانيين، الذين عرفوا بين الناس بحب العلم؛ نشراً وتدريساً وإفتاءً وبحثاً وتحقيقاً وتدقيقاً، تفوق دروسه الأربعين في الأسبوع بين حديث وفقه، تفسير وسيرة، وعلوم العربية والسياسة الشرعية، ويتحمل الشيخ على كبر سنه – شارف 80 عاماً -حِمْلَ التنقل بين المساجد فمن جامع الراجحي بشبرا إلى مسجد الراجحي بالربوة، ومن مسجد محمد بن إبراهيم بالدخنة إلى جامع الملك جامع بأم الحمام، ومن جامع عتيقة إلى مسجد البرغش، صبور لا يمل العلم، وقور تعلوه هيبة العلماء، يضرب للناس – عالمهم وعاميهم – مثلاً مُشَاهداً لسنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، و طريقة السلف الصالح.

إذن .. مات الشيخ الذي: (لعب وقفز على بيوت الطين المنتشرة بالقويعية , شرب من مياه الآبار الضحلة، وجلس على أطرافها يسمع الأخبار والحكايات , لبس الملابس المتواضعة في قريته الطينية , لم يلبس الغالي والنفيس , لم يفكر في شراء أثواب كل شهر أو شهرين , بل كان مثل أبناء الجزيرة العربية آنذاك يفرح بالثوب والثوبين من العيد إلى العيد , عاش بين الناس الذين تقاربت مستويات معيشتهم , عاش بآمالهم , وعاش بأحلامهم , وتغنى بمستقبلهم , ضحك بين النخيل , جرى مع الطيور والعصافير يداعبها وتداعبه , وجرى مع الصبية وهم يلهون بين ماء الزروع وبقايا الغنم والإبل هناك , يراه الناس وهو قد ملأ الطين

رجليه وساقيه النحيلتين، ويفرح بذلك الجو البهيج، فهو يعتبر ذلك شعاراً للإنسان الحر النبيل).

عرفتُ فضيلته واعظاً يتخول مساجد مدينة الدمام- وأنا لا زلت في نهايات المرحلة الابتدائية – فارتسمت في ذاكرتي صورة العالم الذي يتدافع الناس للقرب منه ونيل الحظوة بالحديث إليه ومعه؛ ولو بافتراض سؤال لم يقع، ثم قرت عيني برؤيته واعظاً ومفتياً بالمعهد العلمي مرحلة الثانوية بالدمام؛ وقد تحيَّنت الفرصة للصلاة إلى جواره بعد انتهاء كلمته لأنظر صلاته، و اكتسب الخشوع – كما أزعم – و أُقبَّل الكيان الذي ملئ علماً و زُهداً وصبراً.

نعم. . .

عرفت ابن جبرين رحمه الله تعالى في دروس الفقه والعقائد، والتي لم يزل تقرير عويص مسائلها تكييفاً وترجيحاً؛ محفوظاً لدى طلابه من خلاله دروسه في الدمام والرياض، و لا زلتُ محتفظاً بكلمته الشجية الصادقة التي داعبت مسمعي، وشحذت همتي للعلم ونيل شهادة الدراسات العليا، إذ قال: (كنتُ ممن درس وكتب وذاكر ونسخ الكتب الكبيرة على ضوء الشمع، واليوم - ومع وجود الكهرباء إلا أن الطلاب يتضجرون. .).

وقبل الختام: إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإن لفراقك شيخنا لمحزونون، وتسليتنا في فراقك (إن في البقية خير).

وقد جادت نفسي بهذه الأبيات، والخاطر مكدود:

أرخَتِ الدُّنيا على العِلم السُّدلْ بعدَكُم يا شيخَ قولٍ وعملْ

وافتقدنا جبلاً نأوي لهُ عندَ خَطبٍ قد تدلَّى ونزلْ

كان بعلم هَصُوراً مُقدِماً غَيرَ خَتَّارٍ و لا للبُؤسِ ذَلّْ

يدفعُ الشَرَّ، ويُجْلِي الحَقَّ لا يرتضي قولاً مَشِيناً في الأُوَلْ

قد رَثتْهُ الناس مُستنِكَرةً هل تُعزَّى الأمُ في حالِ الثكَلْ؟!

وبدا للبحرِ جَزرَاً، و حوى في ثنايا موجِهِ الحُزنَ الأجَلّْ

زَخَرَتْ أرفُفُنا مِن كُتْبِهِ من ردودٍ وحُلولٍ للعُضَلْ

أوضحَ الفِقهَ؛ وقد أصَّلَهُ كلَّ قولٍ بدليلٍ أو عِللْ

كم أقضَّتْ مضجعَ الشيخِ الأُمُو رُ، اللّواتي وقْعُها تُردِي البَطَل

لم تُغادِرْ بسمةٌ فاهُ؛ وكم أغنَتِ البسمةُ عن نَسْجِ الجُمَلْ

وتَغنَّى الطيرُ من ترتيلِهِ وانتشى اليأسُ رجاءً وأملْ

سطِّري (أيَّامُ) شيخاً ألمعاً بارز الجهلَ بجِدٍّ واحتملْ

فجزى الرحمنُ خيراً مُسبَغاٌ عبدَهُ الجِبرينَ من دارِ الحُلَلْ

واجبُرِ اللهُ مُصاباً حلَّ بي فلعلَّ النفسَ تسلَى، وَلعلّْ.

كتبه / فضيلة الشيخ محمد بن علي البيشي

عضو هيئة التحقيق والادعاء العام بالمنطقة الشرقية

ومدير قسم الدعوة والإرشاد بالمكتب التعاوني بالدمام

[email protected]

http://www.lojainiat.com/index.php?action=showMaqal&id=8950

ـ[محمد زياد التكلة]ــــــــ[16 - 07 - 09, 05:45 م]ـ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير