تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الحمد لله، النافذِ أمره، الغالب قهره الواجب حمده وشكره، وهو الحكيم الخبير، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له في الملك والتدبير، لا رادّ لقضائه ولا معقب لحكمه وهو على كل شيءٍ قدير سبحانه وبحمده جعل لكل أجل كتاباً وللمنايا آجالاً وأسباباً، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله الهادي البشير والسراجُ المنير، صلى الله عليه وعلى آله الأبرار وصحابته الأخيار ما جنّ ليل وبزغ نهار وسلّم تسليماً كثيراً. أما بعد:

فإن لله سبحانه وتعالى الحكمة البالغة والقدرة النافذة في كونه وخلقه، وإن مما كتبه الله جلّ وعلا على خلقه الموت والفناء يقول سبحانه {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}، ويقول - عز وجل-: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}

حكم المنية في البرية جاري

ما هذه الدنيا بدار قرار

بينا يرى الإنسان فيها مخبرًا

حتى يرى خبرًا من الأخبار

وإن أعظم أنواع الفقد على النفوس وقعاً وأشدّه على الأمة لوعة وأثراً فقدُ العلماء الربانيين والأئمةِ المصلحين ذلكم؛ لأن للعلماء مكانةً عظمى ومنزلة كبرى فهم ورثة الأنبياء وخلفاءُ الرسل والأمناءُ على ميراث النبوة وهم للناس شموس ساطعة وكواكب لامعة وللأمة مصابيح دجاها وأنوار هداها بهم حُفظ الدين وبه حفظوا، وبهم رُفعت منارات الملّة وبها رفعوا {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}، (فهم أهل خشية الله) إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} ولذلك كان فقدهم من أعظم الرزايا والبليةُ بموتهم من أعظم البلايا، وأنَّى للمدلجين في دياجير الظلمات أن يهتدوا إذا انطمست النجوم المضيئة، صحّ عند أحمد وغيره من حديث أنس -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إنما مثل العلماء كمثل النجوم يهتدي بها في ظلمات البر والبحر فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضل الهداة)، يقول الإمام أبوبكر الآجريُ -رحمه الله-: (فما ظنكم بطريق فيه آفات كثيرة ويحتاج الناس إلى سلوكه في ليلة ظلماء فقيض الله لهم فيه مصابيح تضيء لهم فسلكوه على السلامة والعافية، ثم جاءت فئام من الناس لابد لهم من السلوك فيه فسلكوا فبينما هم كذلك إذ طفئت المصابيح فبقوا في الظلمة فما ظنكم بهم، فهكذا العلماء في الناس)، وحسبنا في بيان فداحة هذا الخطب وعظيم مِقدار هذه النازلة قولُ المصطفى - صلى الله عليه وسلم- في الحديث النبوي الذي خرّجه الشيخان عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلّوا وأضلّوا، وقد قال حبر الأمةِ وترجمانُ القرآن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا}، قال: بموت علمائها وفقهائها وخيار أهلها، كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تظهر الفتن ويكثر الهرج ويُقبض العلم)، فسمعه عمر يأثره عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إن قبض العلم ليس شيئاً يُنتزع من صدور الرجال ولكن فناء العلماء)، وقال عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه-: (عليكم بالعلم قبل أن يقبض وقبضه ذهاب أهله، وقال الحسن - رحمه الله-: (موت العالم ثلمةٌ في الإسلام لايسدها شيءٌ ما اختلف الليل والنهار)، وقيل لسعيد بن جبير -رحمه الله- ما علامةُ الساعة وهلاكِ الناس؟ قال: إذا ذهب علماؤهم، ولما مات زيد بن ثابت -رضي الله عنه- قال ابن عباس رضي الله عنهما: (من سرّه أن ينظر كيف ذهابُ العلم فهكذا ذهابه).

إذا ما مات ذو علم وتقوى

فقد ثلمت من الإسلام ثلمة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير