تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يقال ذلك أيها الأحبة في هذا الوقت الذي رزئت فيه أمتُنا الإسلامية بفقد عالم من علمائها ووفاةِ إمام من أئمتها، وحبر من أحبارها، ألا وهو فضيلة الإمام العلاّمة الشيخ - عبد الله بن جبرين -عليه رحمة الله- الذي كان طودًا شامخًا راسخًا في العلم والتقوى، وعلمًا بارزًا من أعلام السنة والفقه والفتوى فضائله لا تجارى ومناقبه لا تبارى، ثلمته لاتسدّ والمصيبة لفقده لاتحدّ والفجيعة لموته نازلة لا تنسى وفاجعة لا تمحى والخطب بفقده جلل والخسارة فادحة، ومهما كانت الألفاظ مكلومة والجمل مهمومة والأحرف ولهى والعبارات ثكلى فلن تستطيع جودة التعبير ولا دقة التصوير، فليست الرزية على الأمة بفقد جاه أو مال أو بموتِ شاة أو بعير كلا ثم كلا، ولكن الرزية أن يُفقد عالم يموت حين موته جم غفير وبشر كثير.

لعمرك ما الرزية فقد مال

ولا شاة تموت ولا بعير

ولكن الرزية فقد شهم

يموت بموته بشر كثير

فموت العالم ليس موت شخص واحد، ولكنه بنيان قوم يُتهدم وحضارة أمة تتهاوى.

وما كان قيس هلكه هلك واحد

ولكنه بنيان قوم تهدما

وتعظم الفجيعة إذا كان من يفقد عالمًا متميز المنهج والسلوك، متوازن النظرة متماسك الشخصية معتدل الرؤى أمة وحده ونسيج بمفرده وطراز مستقل، وأستاذ أجيال، وأئمة في رجل، بقية السلف، آية في العلم والدعوة والفتيا، والبذل والشفاعة، والخير والكرم، وقضاء حوائج الناس، والزهد والتواضع، من دعاة العقيدة الصحيحة والسنة المتينة، الناصعة بالدليل والأثر والملتزم فيه بالاعتدال والوسطية والحرص على الجماعة والنصح لله ورسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم، ونحسب شيخنا العلامة ابن جبرين من هذا الطراز المتميز، والنسيج المتألق، لقد شرفت بمعرفة شيخنا والتتلمذ عليه منذ أكثر من ثلاثين سنة، يوم أن دلفت إلى مقاعد الدراسة بكلية الشريعة بالرياض سنة1400هـ، وكان الشيخ - رحمه الله- يدرسنا العقيدة التدمرية، وياله من شرف عز ووسام فخار وتاج تكريم، حينما يدخل فضيلته القاعة، ويلقي السلام على طلابه، ثم يقول: سم الله يا عبد الرحمن، فاقرأ في التدمرية، فإذا سكت، قال: ما شاء الله، ولا تسأل عما تغرسه في النفس من التشجيع والإيجابية، حتى لكأني أطير فرحًا وأتيه فخرًا، وأخذ يشرح ذلك البحر المتدفق من كنوزه الشمولية، ولؤلؤه المعرفي، ومرجانه العلمي الذي لا يحده ساحل ولا يرده شاطئ -رحمه الله-.واستمرت محبته والعلاقة به حتى بعد انتقالي إلى مكة المكرمة، ولا أستطيع أن أصف تلك المشاعر التي يغمرني بها في ثناء على تلاوة، ودعاء وشكر على خطبة، وإعجاب بختمة، التي هي امتداد -بحمد الله- لمنهج مشايخنا وعلمائنا سماحة الشيخ- عبد العزيز بن باز، وسماحة الشيخ- محمد بن عثيمين -رحمهما الله-، وكذا سماحة شيخنا الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، وكافة كبار علمائنا ومشايخنا، وأحسب أن الشيخ ابن جبرين -رحمه الله- واسطة عقدهم، ودرة عقدهم، وكان -رحمه الله- يشرفني في زيارة لمنزلي ومكتبة محبه وتلميذه في مكة المكرمة، وفي مكتبة إمام الدعوة العلمية، وكم شرفنا به محاضرًا ومدرسًا ومقرِّظًا لإصدارات المكتبة في ثلاثة من أشهر منشوراتها العقدية والفقهية، ومن المواقف التي أعتز بها مع سماحته -رحمه الله- هو تشريفه لنا في الإفطار معنا في الحرم كل عام تقريبًا، فيخوض -رحمه الله- غمار جموع المعتمرين، ويجهد نفسه، ويكل راحته ليشرفنا في تناول تمرات معنا، وكنت أقول له: يرحمك الله يا شيخنا، الحق لك نزورك أينما كنت، فيصر -رحمه الله- على رغبته في المشاركة مع محبيه، وكنت أتجاذب أطراف الحديث معه في مسائل علمية، وقضايا واقعية، أذكر منها على سبيل المثال: موقفه المؤيد والداعم لدعاء ختم القرآن، خلافًا لما يراه بعض طلبة العلم، فكان -رحمه الله- يشجع ويشد من الأزر، وكنت أقول له: بعض طلاب العلم له رأي في المسألة، فكان يقول: دعك منهم، وسر على ما سار عليه جمهور السلف والخلف، وما سار عليه علماؤنا -رحمهم الله- كسماحة الشيخ- محمد بن إبراهيم، وسماحة الشيخ- عبد العزيز بن باز، فهم أعلم بالدليل وأشد تمسكًا بالسنة، ويقول: إني لأعجب ممن يحرم نفسه دعوة المسلمين واجتماعهم، ويصر على مخالفته، حتى إنه كان يحرص على الاطمئنان كل عام على دعاء الختم، ويقول: لا نريد إلا الشيخ عبد الرحمن، فرحمه الله، وكان من

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير