ثالثاً: حوى شيخنُا علماً كبيراً، وحفظاً غزيراً، إذا تكلَّم في مسألةٍ كأنما يَغرفُ من بَحْرٍ؛ لكثرة علمه وسعة محفوظاته، وقد كان في قوّةِ علمِه رحمةً للسُّنَّةِ وأهلها، شديداً على أهل الأهواء والبدعِ وأهلها، ناصحاً لله ولرسوله ولعامةِ المسلمين، وكان مقصداً للمستفتين من المسلمين، وكان رحمه الله إماماً فقيهاً له فتاوى مهمة في النوازل ِ كفتواه في جواز الرمي قبلَ الزوالِ، وجواز توسعة المسعى، وغيرهما من فتاواه المهمة التي يستشهد بها أهل العلم.
رابعاً: اقتضاء العِلْمِ العَمَل؛ فسماحةُ شيخنا رحمه الله تعالى عالمٌ جمع بين العلمِ والعمل، والصلاح والعبادة، وقد كانت أوقاته مليئة بالطاعات، وقلَّ أن رأينا أو رأى الناسُ مثله، وكان رحمه الله قُدوةً حسنةً مثالاً للعالمِ الصالح المُوافق قوله عمله وهذا ظاهر لكل من خالط الشيخ.
خامساً: لِينُ سماحةِ شيخنا رحمه الله تعالى للناس عانة ولطلاَّب العلم خاصة، فلم نرَ بعد سماحة الإمام شيخنا عبدالعزيز ابن باز – رحمه الله تعالى – في هذا مثله، فقد كان غايةً في التواضعِ والمباسطةِ، وقد كانت له أيادٍ بيضاء لكل من عرفه أو لجأ إليه في حاجة يحتاجها في أيّ مكانٍ وعند أيّ شخصٍ، وشفاعاتُ شيخنا لا يمكن عدّها وحصرها، وابتسامته للناسِ كلهم لا يفرّق بين رفيعٍ أو وضيعٍ ولا كبيرٍ أو صغير، وكذلك مجلسه في بيته يَغصُّ بالناسِ والمحتاجين؛ فيشفع لهذا ويعطي ذاك ويزكّي الآخر، وهكذا دأبه رحمه الله مع المحتاجين، ولشيخنا اهتمامٌ خاص بطلاَّب العلم وتحبيبهم إلى العلم.
سادساً: إمامةُ شيخنا ابن جبرين – رحمة الله عليه – ومنهجه العلمي المتميز:
سأوجز بيان ذلك من جهات سَبْع، وإلا فالمقام يحتاج لبسط وبيان يطول:
الأولى: تميّزُ شيخنا بأنه عالِمٌ يذكرك بعلماء السلف؛ لايقول أو يعمل إلا بما أدى إليه اجتهاده ونظره العلميّ، مع الورع في الفتوى، وهذا ممَّا لفت نظري منذ أن ابتدأتُ الدراسة على يديه.
الثانية: تميّزُ شيخنا بإتقانه لعلومِ الشريعةِ والآلةِ بما هو مشهودٌ له فيه من كبار أهل العِلم، بل يُعدُّ شيخنا أحدُ أركان العِلْم في هذا العصر، وإمامٌ لأهل السُّنَّةِ ومرجعٌ لأهل العِلمِ من أقرانه وطلاَّب العِلم في سائر الأقطار الإسلامية.
الثالثة: قوّّةُ شيخنا العلميّة ونظرته الأصولية بما يُراعي المصالحَ العامّة للمسلمين حيث أفتى في نوازِلَ عِلميّة بما أدى إليه اجتهاده كما سبق ذكره، وسعة فقهه ممّا أحجمَ عنه الكثيرُ من أهل العِلم.
الرابعة: التيسيرُ في الأحكام هو سبيلُ شيخنا في فتاواه ولكن بضوابط سيأتي بيانها في الفقرة التالية، وهذا أمر ظاهرٌ لمن تأملَ فقه وأحكام وفتاوى شيخنا.
الخامسة: حِرْصُ شيخنا على تقرير رأي الجمهور في المسائل العلميّة دون التقيّد بمذهبٍ معيّنٍ لايتجاوزه، وهذا إذا لم يؤدي إلى التشديد في المسألة أو يُخالفُ دليلاً مُحْكمُ الدِلالة.
السادسة: الأدبُ التربويُّ الجمُّ الذي تميَّز به شيخنا مع تلاميذه ومحبّيه، وهذا لاشكَّ أمر واضح في منهج شيخنا، وكم من شيخ قل عنده هذا الجانب التربوي المهم فذهبت بركة علمه ونفر عنه الناس.
السابعة: تميّزُ شيخنا بالحفظ للمسائل وأدلتها وأقوالِ أهلِ العِلم فيها بما يَنْدرُ وجوده في كثيرٍ من أهل العِلم اليوم، وقد بهرَ شيخنا كلَّ من رآه أوسمع كلامه، فرحمه الله ورفع مقامه.
********
وهذا أوان الشروع في ترجمة شيخنا وإمامنا العلاَّمة عبدالله بن عبدالرحمن ابن جبرين عليه من الله الرحمة والرضوان.
ترجمة سماحة الإمام الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن ابن جبرين - رحمه الله تعالى-.
(1349هـ - 1430 هـ)
اسمه ونسبه:
عبدالله بن عبدالرحمن بن عبدالله بن إبراهيم بن فهد بن حمد بن جبرين بن محمد بن عبدالله بن رشيد، من بني زيد القبيلة المشهورة، وكان أصلهم في شقراء، ثم تفرقوا إلى كثير من القرى ومنها القويعية بلدة الشيخ. وأخواله هم آل مسهر المشهورون هناك، وجدُّه لأمه يلقب بمسهر، واسمه عبدالرحمن بن محمد بن سليمان بن عبدالله بن عثمان بن محمد بن عبدالله بن رشيد، فعثمان أخو جبرين.
مولده:
ولد في سنة تسع وأربعين وثلاثمائة وألف من الهجرة النبوية، في بلد محيرقة، وهي إحدى قرى القويعية.
¥