وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا).
فموت العلماء من أعظم المصائب على الإطلاق, وقد فقدت الأمة الإسلامية بوفاة الشيخ عبد الله الجبرين عالماً جليلاً , ومربياً عظيماً، وأباً حانياً، وفقيهاً ومفسراً، وأصولياً، ونحوياً، وأديباً، وقدوةً وإماماً كبيراً.
وصل علمه إلى الآفاق, وتتلمذ على يديه وتخرج من مدرسته علماء وفقهاء وطلاب علم من شتى أنحاء العالم، وقد دفن بوفاته علم غزير.
ها قد رحل الشيخ وقد قارب الثمانين عاماً قضاها في العلم والدعوة والعبادة، جلس للتدريس عشرات السنين، ودوّن المؤلفات النافعة، وتولى الإفتاء، وظهرت صنائع المعروف على يديه، فعمّ نفعه وكثر خيره ..
لم يمت مَن ورّث هذا العلم الزاخر والأدب العظيم، ومن أراد الشيخ فسيجده في الكتب والدروس المسجلة والفتاوى.
لقد ولد الشيخ في بيت علم وفضل، فكان أبوه وجده وأبو جده من حفظة كتاب الله، وكان جده الأكبر حمد ابن جبرين ذا منزلة ومكانة في قومه، فهو خطيبهم وأميرهم وقاضيهم، مع ما رزقه الله من السعة في العلم والمال، وله مخطوطات وشروح أورثت الشيخ عبد الله حافزاً تاريخياً، وإرثاً عائلياً في العلم.
وقرأ الشيخ على أبيه بعض العلوم كالفرائض والنحو وبعض متون الحديث كالأربعين النووية والعمدة.
ولقد تلقى الشيخ من والده تربية إيمانية عالية، ولقد أخبرني أن والده اعتاد القيام آخر الليل، فكان ينام مبكراً، ويستيقظ قبل الفجر بساعتين غالباً، وربما ختم القرآن في ليلة واحدة.
وكان يوقظ أبناءه قبيل الفجر بنصف ساعة ليعودهم الصلاة في هذا الوقت المبارك ولو شيئاً يسيراً.
لقد كان الشيخ رحمه الله تعالى أعجوبة وآية من آيات الله في الذكاء والعلم، وكان الشيخ عصاميا صاحب همة عالية: ففي سن السابعة عشرة من عمره طلب من قاضي البلد الشيخ أبو حبيب محمد بن عبد العزيز الشثري أن يقرأ عليه، فاشترط عليه إتمام حفظ القرآن، فتفرغ الشيخ لقراءة القرآن وحفظه، وكان قد بقي عليه نحواً من 18 جزءاً، فحفظها في نحو سبعة أشهر كما حدثني بذلك.
وكان الشيخ حريصا على المذاكرة مع الأقران، وكان يقول: «الطالب الذي لا يجلس مع من ينافسه ويسابقه يغلب عليه التكاسل والتثاقل وعدم الاهتمام، فإذا كان هناك من ينافسه فإنه ينبعث وتقوى همته ويكثر من القراءة ومن البحث «.
وذكر لي أنه في أثناء انتقاله للرياض كان في ضيافة الشيخ الشتري لأنهم استأجروا للشيخ منزلين، منزلاً للعوائل، ومنزلاً للرفقاء، قال لي الشيخ: «وفي السنة التي بعدها رأيت أنا وأحد زملائي أن نستقل في منزل صغير لكثرة من يغشى الشيخ من الزوار الذين لا نتمكن معهم من المذاكرة والمدارسة «.
وكان الشيخ مجدا في طلبه للعلم وقراءة المطولات، وكان يقرأ كثيرا منها على شيخه أبو حبيب من بعد صلاة المغرب من كل يوم إلى أذان العشاء، وكذلك في الضحى من بعد طلوع الشمس إلى قرابة الساعة ونصف.
وقد قرأ على شيخه في هذين الوقتين المباركين كتباً كثيرة، كالصحيحين ومختصر سنن أبي داود، وتفسير الطبري، وتفسير ابن كثير، وجامع العلوم والحكم، وسبل السلام، والآداب الشرعية لابن مفلح، وشرح الزاد، فضلا عن المتون الكثيرة.
وكان الشيخ متنوع المشارب، فقد أخذ عن علماء بلده، وعند انتقاله للرياض درس على كثير من المشايخ وعلى رأسهم الشيخ: محمد بن إبراهيم فقد قرأ عليه الروض المربع، وبلوغ المرام، وفتح المجيد، وكتاب الإيمان والواسطية والحموية لشيخ الإسلام ابن تيمية.
ودرس على الشيخ إسماعيل الأنصاري، وحماد الأنصاري الإفريقيين، ومحمد البيحاني من حضرموت، وابن عمار من الجزائر، والشيخ عبد الرزاق عفيفي من مصر، والشيخ محمد الأمين الشنقيطي من موريتانيا، وغيرهم كثير.
فه كوكبة من كبار العلماء ذوي العلم الواسع في المتون المختلفة في التفسير والفرائض والفقه والحديث والعقيدة والأدب.
¥