وكان مثابراً على طلب العلم متحملاً للمشاق في جمعه، يذهب في الصباح الباكر مشياً على الأقدام للقراءة على شيخه (صالح بن مطلق) في قرية مجاورة لبلده تبعد عنها نحوا من 5 كيلو أو 7 كيلو، ويرجع في المساء ماشياً، وقد يبيت عنده أحيانا، ويعود في اليوم الثاني.
ويتحمل المشاق في سبيل مرافقة شيخه حتى لو اضطر للركوب في صندوق السيارة.
وقد كان شيخه صالح بن مطلق أديباً مفوهاً يحفظ من النظم ما يزيد على خمسين ألف بيت، فضلا عن الأشعار والمقامات والقصص الكثيرة، وهو كما ذكر لي الشيخ: «ضرير البصر، وكان يدلنا على كثير من القصائد ويحثنا على حفظها «.
وقد صحبه الشيخ ابن جبرين في سفره إلى مكة للحج مرتين، الأولى منهما كانت أول حجة للشيخ سنة (1369) وكانت في سيارة مكثوا في الطريق 5 أيام ذهاباً، و3 أيام إياباً.
قال الشيخ ابن جبرين: «وكان الطريق صحراوياً ولا نستطيع أن نسري في الليل، ونتوقف في وسط النهار أيضاً في القيلولة، وفي هذه المدة نقرأ عليه في وقت القيلولة، وكذلك في وقت الصباح قبل الركوب وبالأخص في مناسك الحج «.
وقد كان الشيخ ممن اختارهم الشيخ أبو حبيب لصحبته في رحلته للمناطق الشمالية بتكليف من الشيخ ابن إبراهيم نظرا لحاجة تلك المناطق للتعليم والتوجيه، وقد ذكر لي الشيخ جانبا عن رحلته هذه فقال: «هذه رحلة طويلة، وهي التي أرسلنا فيها الشيخ محمد بن إبراهيم، وجعل رئيسنا الشيخ عبد العزيز أبو حبيب الشثري رحمه الله، ندعو ونعلم في هذه المدة التي استغرقت ثلاثة أشهر ونصف، ابتدأنا من أرماح، ثم مشينا على الحدود الشمالية من قرية، والحفر، والقيصومة، والحدود حدود العراق، وانتهينا إلى حدود الأردن إلى الطريف، وإلى حقل، وإلى حدود الساحل، ثم رجعنا إلى المدينة .. خيبر .. العلا .. تبوك، وهكذا ... ».
وكان الشيخ يمضي وقته في الرياض في طلب العلم، فمن بعد الفجر حتى انتشار الشمس يقرأ على الشيخ محمد بن إبراهيم، وبعد درس الفجر للشيخ محمد بن إبراهيم، يذهب إلى المنزل لتناول الفطور، ثم يرجع بعد ساعة ونصف لتلقي بعض الدروس في المسجد.
ومما ذكره لي الشيخ، قال: «عندما قدمنا على الرياض في سنة (1374) رأى الشيخ الشثري رحمه الله أن يستزيد جملة من المشائخ في ليلة الجمعة مساء الخميس من كل أسبوع، ومنهم الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ عبد الرزاق عفيفي، والشيخ عبد العزيز الأشقر، فلسطيني، وجملة من المشائخ أحياناً ابن مهيزع.
يجتمعون في بيت الشيخ بعد العشاء ولمدة ساعة ونصف ونحوها، وكلفني أن أقرأ عليهم، أقرأ في صحيح البخاري، ويتولى الشيخ عبد الرزاق شرح الحديث الذي نقرؤه، وكذلك أيضاً يتولى الشيخ عبد العزيز بن باز التعليق عليه، ولا يزالون كذلك يبحثون في المسائل المتجددة التي تحتاج إلى مراجعة وما أشبهها من المسائل التي تقع، فيستفيد الحاضرون «.
فوا أسفاه على فقدنا لعلم تلك المجالس مع هذه الكوكبة المباركة.
وكذلك كان الشيخ ابن جبرين يحضر مجالس الشيخ ابن باز، وقد استفاد منه كثيرا.
قال الشيخ: «من سنة خمسٍ وسبعين إلى سنة ثمانين كنا نأتي إليه في بيته، ونحضر الدروس، وبالأخص عندما ابتدأ في تصحيح فتح الباري نحضر معهم أحياناً الذين يصححون، كانوا قد أحضروا أربع نسخ مطبوعة، طبعات متفرقة، ونسخة خطية، فكانوا يقرؤون عليه، يقرأ عليه أحدهم والبقية يصححون.
هذا يقول: عندي فارق كلمة، عندي نقص كلمة، ويثبت ما رأى أنه أصح الكلمات وينبه أيضاً على بعض الغلطات كما هو في المجلدين الأولين من فتح الباري ... ».
وقد وثق به الشيخ ابن باز فأوكل إليه إمامة الناس في الجامع الكبير، وكان يحيل إليه مسائل الفرائض التي لم يحلها أحد غيره، وكان قد برع في هذا العلم وتلقاه في أربع سنين عن شيخه عبد العزيز بن ناصر بن رشيد.
ومع ما كان يعانيه الشيخ من ضيق ذات اليد إلا أن ذلك لم يمنعه من مواصلة طلب العلم، فقد أخبرني عن الوضع المادي لوالده، وأنه لم يكن له من الدخل إلا ما يرزقه الله به من الشيء اليسير من بعض الأعمال التجارية التي كان يقوم بها.
¥