انقطعت عن دروس شيخي لانتقالي للعمل في المنطقة الشرقية فلما أتيحت لي الفرصة للمكوث في الرياض العامرة التحقت بدروسه في جامع الراجحي في شبرا، وواظبت على ذلك حتى عودتي للمنطقة الشرقية، كم كنت أشعر بسعادة غامرة عند الذهاب، وكم كنت أجد المتعة والفائدة والفتوح من العلوم والبيان، ما لا يخطر ببال.
شرفت بزيارة شيخي الكريم المفضال لمكتبنا المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات بالدمام، وكان له كلمات توجيهية وتشجيعية، وكلمة دونها في سجل الزيارات أضعها وساماً لي ولزملائي في المكتب على صدورنا من رجل في مثل مقامه يرحمه الله وكان يرحمه الله هو المبادر بالزيارة حرصاً منه على تشجيع أعمال الدعوة، ودعمها وزيارة العاملين فيها وشد أزرهم.
وفي جنازة والدي يرحمه الله قبل ثلاث سنوات حرص يرحمه الله أن يحضر الصلاة عليه لما كان بينهما من علاقة أخوية قوية، وكان ذلك في جامع الراجحي في الربوة بالرياض، ولما حضرت صلاة الجنازة بعد العصر يوم الخميس 26/ 5/1430هـ تقدم شيخنا ابن جبرين يرحمه الله وصلى على الجنائز إماماً وكبر يرحمه الله خمس تكبيرات لوجود طفل مع الجنائز وكان ذلك منه تعليم من صلى معه بالتطبيق العملي في هذه المسألة.
وكان لكثير من آرائه تميزاً وفقهاً لواقع يجهله كثير من المفتين، وتعليماً لمن بين يديه من طلابه، وتنبيهاًُ على مسائل تند عن الذهن، ولا يتنبه لها إلا الراسخون.
كان لصوت الشيخ المميز وأسلوبه في الطرح وحديثه في مسائل العلم وتبحره فيها لذة لا يدانيها لذة، وأنس لا يقاربه أنس، وإنك لتعجب من موضوع أو مسألة يطرحها الشيخ فتجد انصراف ذهنك لجزئية معينة في حين يفتح الله على الشيخ فتوحاً وفوائد لو قرأت الدهر كله لم تحصلها، وذلك لأنه بحر في العلوم عقيدة وتفسيراً وفقهاً ولغة وأدبا، كان لقاؤنا به يذكرنا ببقية السلف ويذكرك رؤيته وحديثه بمن سلف من العلماء الربانيين.
وإن قيل في شأن اللغة العربية:
أنا البحر في أحشائه الدر كامن ** فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي
قلت: إن شيخي بحر لم يصل لدره إلا القليل الموفقون ولم يحط بما لديه من علم إلا النزر اليسير فيا لله كم هي خسارة عظيمة لأمة الإسلام بفقد هذا العلم الإمام.
ولقد صدق من قال
لعمرك ما الرزية فقد مال ** ولا شاة تموت ولا بعير
ولكن الرزية فقد شهم ** يموت لموته خلق كثير
نعم إن وفاة شيخنا ابن جبرين وموته يموت له خلق كثير
ولا شك أن فقد العلماء رزية وأي رزية، وملمة من أكبر الملمات وهو نقص في الأرض.
وقبل وفاته بما يقارب الشهر رأى أخي الأكبر رؤيا حيث رآى والدي في المنام مستبشراً يقول سيأتينا عبد الله يكررها، فما مضى الشهر أو قريباً منه إلا ونسمع بوفاة شيخنا الشيخ عبد الله رحمهما الله وأسكنهما فسيح جناته.
فاللهم ارحم شيخنا ابن جبرين ووالدي وجميع علماء المسلمين وموتاهم، اللهم واخلف على الأمة خيراً واجبر مصابنا في شيخنا واجمعنا اللهم به وبنبيك في مستقر رحمته، اللهم آمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ـ[محمد زياد التكلة]ــــــــ[18 - 07 - 09, 02:17 م]ـ
نعم قد مضى ... إني لربي راجع
رحمك الله يا ابن جبرين
عبد المحسن بن عثمان بن باز
أَلا مَنْ لِقَلْبٍ صَدَّعَتْهُ الفَوَاجِعُ وَمَنْ لِدُمُوعٍ ذَرَّفْتَهَا المَدَامِعُ
أَحَقًّا قَضَى بَحْرُ العُلُومِ وَرُكْنُهَا أَصِدْقًا هَوَتْ تِلْكَ النُّجُومُ اللَّوَامِعُ
أَيَا شَيْخَنَا مَهْلاً فَلَمْ يَبْرَ جُرْحُنَا وَمَزَّقَنَا شَارِي الفُؤَادِ وَبَائِعُ
وُتِرْنَا بِأَشْيَاخٍ هُمُ زِينَةُ الدُّنَى وَأَسْيَافُ عِلْمٍ فِي الجِهَادِ قَوَاطِعُ
فَقَدْنَا ابْنَ بَازٍ وَالعُثَيْمِينَ بَعْدَهُ وَأَنْجُمَ عِلْمٍ فِي الظَّلامِ سَوَاطِعُ
وَكَانَ لَنَا فِي إِبْنِ جِبْرِينَ سَلْوَةٌ فَأَفْزَعَنَا صَوْتٌ وَعَتْهُ المَسَامِعُ
بِنَعْيِ الإِمَامِ الفَذِّ حُجَّةِ عَصْرِهِ نَعَمْ قَدْ مَضَى إِنِّي لِرَبِّيَ رَاجِعُ
أَحَقًّا تَغِيبُ الشَّمْسُ فِي حُفَرِ النَّوَى وَتُلْحَدُ فِي القَبْرِ النُّجُومِ الطَّوَالِعُ
أَحَقًّا عَلَى الأَعْنَاقِ تُحْمَلُ أَبْحُرٌ يُقَلِّبُهَا فِي النَّعْشِ كَهْلٌ وَيَافِعُ
أَتُدْرَجُ فِي الأَكْفَانِ مُزْنُ سَحَائِبٍ تَرَوَّتْ بِهَا فِي الخَافِقَيْنِ مَرَابِعُ
¥