فَلِلَّهِ مَا قَدْ ضَمَّ لَحْدُكَ مِنْ تُقًى وَزُهْدٍ فَرِيدٍ لَمْ تَشُبْهُ مَطَامِعُ
وَلِلَّهِ كَمْ مِنْ عَبْرَةٍ مُهَرَاقَةٍ عَلَى العِلْمِ إِذْ جَفَّتْ لَدَيْهِ مَنَابِعُ
أَتَرْحَلُ يَا شَيْخَ العُلُومِ وَرُوحُنَا تَتُوقُ، وَعِلْمٌ فِي إِهَابِكَ قَابِعُ
أَتَأْفُلُ يَا نَجْمَ الهُدَى وَطَرِيقُنَا بِغَيْرِ هُدَى الهَادِي مُشِتٌّ وَضَائِعُ
أَتُغْمَدُ يَا سَيْفَ الطِّعَانِ وَجَيْشُنَا إِلَيْكَ فَقِيرٌ مَزَّقَتْهُ المَعَامِعُ
سَقَى الغَيْثُ هَاتِيكَ البِقَاعَ بِوَابِلٍ وَجَادَكَ غَيْثٌ بِالسَّكِينَةِ نَافِعُ
سَيَبْكِيكَ فِي شَرْقِ البِلادِ وَغَرْبِهَا نِسَاءٌ وَأَطْفَالٌ وَكَهْلٌ وَيَافِعُ
سَتَبْكِيكَ نَجْدٌ وَالجَزِيرَةُ كُلُّهَا وَتَأْسَى بِكُلِّ الخَافِقَيْنِ مَرَابِعُ
وَيَبْكِيكَ قِرْطَاسٌ وَحِبْرٌ وَمِنْبَرٌ سَقَاهُ زَمَانًا بَحْرُ عِلْمِكَ نَافِعُ
سَتُوحِشُ بَعْدَ الأُنْسِ كُلُّ رُبُوعِنَا وَتَمْحُلُ آبَارٌ بِهَا وَمَنَابِعُ
وَتُقْفِرُ فِي كُلِّ البِلادِ مَعَاهِدٌ تُكَافِحُ فِي نَشْرِ الهُدَى وَتُدَافِعُ
أَنَبْكِيكَ؟ كَلاَّ بَلْ سَنَبْكِي لِبُؤْسِنَا بِفَقْدِكَ يَا مَنْ أَنْتَ لِلدِّينِ رَافِعُ
أَحَقًّا مَضَى؟ كَلاَّ فَإِنَّ عُلُومَهُ سَتَبْقَى تُرِينَا الفَجْرَ إِذْ هُوَ لامِعُ
أَنَفْقِدُ ذَاكَ الصَّوْتَ؟ كَلاَّ فَإِنَّهُ تُسَرُّ بِهِ عَبْرَ الأَثِيرِ المَسَامِعُ
تُجَاذِبُكَ الأَوْصَابُ وَالعِلَلُ الَّتِي تُنَالُ بِهَا فِي الجَنَّتَيْنِ مَوَاضِعُ
لِتَسْعَدَ فِي أَرْضِ الجِنَانِ بِحَبْرَةٍ وَتَسْقِيكَ فِيهَا أَنْهُرٌ وَمَنَابِعُ
بِمَقْبَرَةِ العودِ الأَثِيرَةِ قَدْ ثَوَتْ نُجُومُ هُدًى فِي الخَافِقَيْنِ لَوَامِعُ
جَزَاهَا عَنِ الإِسْلامِ خَيْرَ جَزَائِهِ وَنَعْمَائِهِ رَبٌّ رَحِيمٌ وَسَامِعُ
وَعَوَّضَنَا عَنْ يُتْمِنَا بِهِمُ أَبًا يَقُودُ خُطَانَا جَاهِدًا وَيُدَافِعُ
http://alukah.net/articles/1/7091.aspx
ـ[محمد زياد التكلة]ــــــــ[18 - 07 - 09, 02:36 م]ـ
رثاء في الشيخ ابن جبرين
الموت حق، ولا يبقى إلا وجه الله الكريم، وحين يمضي رجل كالشيخ الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن بن جبرين التقي النقي الطاهر العَلَم، يكون موته فَقْداً كبيراً، لكن عزاء محبيه أنه قضى ما كتبه الله له في هذه الحياة كما يتمناه كل حي، فهنيئاً لأبي محمد هذا الذكر العطر، وهذه الالتفافة من جموع المصلين والمعزين، وأحسب أنه ترك ما لن ينقطع عمله بهم من أولادٍ صالحين يدعون له، وعلم وعمل، وسيرة نقية صافية.
أشعلت عمرك في الورى قنديلا
وأزحت عن ليل الشكوك سدولا
وأنخت ركب الخير متكلاً على
ربٍ كريمٍ ترتجيه قبولا
كم وقفةٍ لك في المحافل ثرة
نافحت فيها ما ادخرت سبيلا
لم يثن عزمك ما حملت منافحاً
أو كان محمله عليك ثقيلا
ولكم حملت أمانة العهد الذي
ترجو به عند الحساب جميلا
ما كنت تطمع أن تنال تجارة
بل أن تنال خيار ما قد نيلا
أفنيت عمرك في جهاد مواقف
وأقمت من نهج الرسول دليلا
ونزلت عن ظهر الجواد وربما
يأبى الكمي عن الجواد نزولا
لكنه الأجل المحتم إن دنا
لم يبق لا أملاً ولا مأمولا
يعدو الزمان على الرجال مغالباً
ولربما أدمى الزمان فحولا
ولقد تحل النائبات على الفتى
ولقد تفل من السيوف صقيلا
فلكم توارى في الثرى من ماجدٍ
ولكم تراب القبر حاز جليلا
وكذاك أنت رحلت يا علم التقى
وكذاك تُربُ القبر فوقك هيلا
حييت لحدك والقبور تحفه
ووقفت دون ترابه لأقولا
يا قبر عبدالله جادك رائح
غيثاً مسيلاً معشباً وهطولا
فلقد ضممت من التقاة مجاهداً
وكأنما هو من قرون أولى
فلتهنأ النفس الزكية بالرضا
فغداً تلاقي في الجنان رسولا
ومُشيَّع بالنور يا رجلاً ثوى
يضوي بقبرك بكرةً وأصيلا
أما العزاء ففيك يختلف العزا
تجري الدموع على فراقك نيلا
فكأنما أحزنت كوناً مائجاً
وكأنما أيتمت بعدك جيلا
محمد بن سعد العجلان
[email protected]
http://www.al-jazirah.com/139442/fe2.htm
ـ[محمد زياد التكلة]ــــــــ[18 - 07 - 09, 02:38 م]ـ
ابن جبرين ...
ليت شعري وهل درى حاملوه ما على النعش من عفاف وجود
ما رأيتُني مستقبلاً خبراً أفزعُ معه إلى تكذيبه فزعي إلى ذلك يوم الاثنين المنصرم حينما صدع الناعي بنبأ وفاة الشيخ الحبر عبدالله ابن جبرين، في نهارٍ مظلمٍ عزفت ألحانه ألوع موجعاتِ هذا الزمان بفقد أهل النور في ليل المدلهمات البهيم.
يذهب ابن جبرين فتنفطرُ لوعةً لفقده القلوب وتنبجس حزناً عليه العيون، وما زالت أدمعي مستهلات مذ ذاك المساء قائماً وقاعداً، مصطليًا بحرِّ أنفاسي مما أجده لفقده فقدَ الوالد الرؤوم، فبروحي روحه الطاهرة التي ما فتئت تحلق نقيةً تظلل من كان حوله من طلابه طيلة كل تلك السنين.
كان الشيخ علمًا للتفاني والنصح لهذه الأمة، في حياة علمية مديدة ملؤها العطاء والجود. وقد كان - رحمه الله - في رحلة يومية مستمرة طوافًا بين مجالس التعليم ومصالح المسلمين من شروق الشمس إلى انتصاف الليل، في كفاح تكل دونه الأبدان وتنهض له همة مثله ممن باع نفسه لله.
كان الشيخ وسيبقي علمًا للإخلاص وهضم النفس في نموذج فريد لا تذكر له مثالاً حين تسمعه وهو يتحدث مثنيًا ومشيدًا بإسهاب وإطناب على غيره من أهل العلم ممن هم في منزلة تلاميذه. أما حين تراه وهو يتنازع مع أحد مستقبليه من الدعاة ممن هم أصغر منه بسنين أيهم يقبل رأس الآخر فإنك تحار في إدراك كنه هذا التجرد المتناهي الذي لا يكاد يبلغه أحد.
كان الشيخ مدرسة في الفقه الراسخ، وكأنما أشربت روحُه روحَ الشريعة في فتاويه وتيسيره كان الشيخ وكان وكان، والآن ... الآن يذهبُ وتختفي بسمته التي يحار من رآها في سرها ووصف ما فيها من طهر الفؤاد.
الآن يذهب الشيخ في صمت، في دنيا ملأها ضجيجًا عُبَّادُها الملوثون.
كلهم يمشي رويداً
كلهم يطلب صيداً
إلا ابن جبرين ... وربما غيره، ممن قد يشبهه، ممن لم يرهم أو يسمع بهم أحد.
أواه أيها الشيخ ... وأواه من دنيا اللئام حين يغيب عنها صوتك ورسيمك.
عبدالرحمن بن ثليّب الخييلي
محمد الهمزاني
http://www.al-jazirah.com/139442/fe3.htm
¥