تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولا بد هنا من التنبه إلى أن الفرقة قد تكون عقوبة من الله تعالى بسبب الفساد بين المسلمين، سواء كان هذا الفساد أخلاقي أو فقهي، كما قال تعالى عن النصارى (فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون). وبالتالي فيجب المراجعة والرجوع الله تعالى والتوبة إليه من أسباب غضبه سبحانه وتعالى.

وقد ثبت في الصحيح عن جابر رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم (إن الشيطان أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم).

إن سحب الخلافات الفقهية والمذهبية على وحدة الصف يدل على أمرين كبيرين: الأول ضعف الإيمان، والثاني ضعف الفقه.

وإذا كان على المسلمين أن يتقوا الله تعالى في الأول وينيبوا إليه، فإن عليهم في الأمر الآخر أن يتقوا الله في أن يتقولوا على الله ما لا يعلمون، وأن يسلموا الفقه لأهله، لأن الفقيه يجتهد في بيان أحكام الله تعالى في عباده، ويجتهد في بيان حدود الله تعالى ومحارمه. وإذا كان يجب في المتحدث باسم وجيه من وجهاء الناس، أو ملك، أو رئيس أن يكون أمينا دقيقا حريصا واعيا حذرا فضلا عن أهليته ابتداء، فإنه بلا ريب يجب أن يكون أشد في هذا كله حين يكون متحدثا عن رب العرش العظيم.

إن من أهم ما يجهله أنصاف العلماء ممن نصب نفسه للأحكام الشرعية من القواعد والضوابط الشرعية هو:

• المقاصد الشرعية: وهي أن الأحكام الشرعية في العموم معلله بعلل وحكم قصدها الشارع، وأن النصوص الشرعية المتعلقة تنضبط بتلك المقاصد. ويمكن فهم ذلك من حديث (لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة)، وقد بين علماء الإسلام أن المقصود الشرعي من ذلك إنما هو الإسراع بالوصول إلى ديار بني قريظة، وليس ظاهر النص. وتفصيل هذا الحديث في موضع آخر. ومثال آخر هو هجر المبتدع، فإنما علته العقوبة التي يقصد بها الإصلاح، وهي لا تتحقق إلا بكون الهاجر ذي سلطان. وقد فصل في بيان ذلك العلماء، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية.

• معرفة الفرق بين الأحكام الراتبة والأحكام العارضة: وهو أصل في اختلاف الأحكام بحسب الأزمنة، أو الأمكنة، أو الأعيان إذا اختلفت الأحوال المتعلقة بالحكم الشرعي بما يؤثر على علة الحكم. فأحكام الجاهل غير أحكام العالم، وأحكام السلم غير أحكام الحرب، وأحكام القوي غير أحكام الضعيف، وهكذا. وقد بين العلماء ذلك أعظم بيان.

• إن الإفتاء وإصدار الأحكام الشرعية أمر يفترق عن مجرد العلم: وبالتالي فإن من درس أو تعلم العلوم الشرعية فإنه لا يكون مؤهل للفتوى بمجرد ذلك، بل لا بد أن يكون عالما مع ذلك بتحقيق المناط الذي هو معرفة تحقق العلل الشرعية بالواقع وانطباقها عليه. وكذلك اعتبار وجود الشروط وانتقاء الموانع. ثم لا بد أيضا أن يكون مشهودا له بالأهلية من علماء الأمة الأعلام، فضلا عن انطباق سائر شروط الاجتهاد في، سواء كان اجتهادا مطلقا أو جزئيا.

• إن الاجتهاد في معرفة الأحكام الشرعية يكون دائما منضبطا بالمصلحة العامة للإسلام والمسلمين، وبالتالي فلا بد من مشاورة العلماء في ذلك، لا سيما في الفتاوى المتعلقة بالمصالح العامة.

• مراعاة وحدة المسلمين واجتماعهم في الأحكام الشرعية مقدم على سائر المصالح. ويعتقد أشباه العلماء أن وحدة المسلمين لا تتحقق إلا بتطبيق الأحكام الشرعية الصحيحة. وهذا لا شك من الجهل، على فرض أنه قد أصاب الحكم الشرعي الصحيح، حيث قد قرر العلماء أن الحكم الشرعي الصحيح قد يغير أو يؤخر لأجل التأليف أو المصلحة العامة. ومثال ذلك بناء البيت الحرام على قواعد إبراهيم عليه السلام. وبالتالي فلا يمكن القول إن طريق الوحدة هو مجرد تطبيق السنة الصحيحة أو تفاصيل العقيدة الصحيحة. ومع القطع بوجوب اتباعها والدعوة إليها، فإن فرضها على الجاهل أو المقلد أو العوام أمر آخر.

الأمر الآخر بعد وحدة المسلمين وحسن فقههم هو تحقيق القوة المادية وتوظيف طاقات المسلمين وثرواتهم. وهذا من أعظم المهمات الشرعية التي يجب على المسلمين بذلها لأخذ الدين بالقوة التي أمر الله (يا يحيى خذ الكتاب بقوة)، (خذوا ما آتيناكم بقوة)، (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير