تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولذا نجد أن الله تعالى علم النبي الكريم أن لا ينظر في رسالته إلى النصر الدنيوي بقدر نظره إلى أداء الرسالة مجردة عن متعلقها الدنيوي (فاصبر إن وعد الله حق، فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون)، ومصداق هذا قوله تعالى (أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون)، فكم من الرسل قتلوا ولم يروا النصر الدنيوي.

• والمقصود هنا أن هذا الأصل العظيم يحفظ المسلم من اليأس، كما يقول صلى الله عليه وسلم (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له). وبالتالي فليس هناك استعجال للنصر، وليس هناك يأس من النصر فهو منصور بالله حتى مع فقدان النصر الدنيوي. وليس معنى هذا الدعوة إلى الركون والرضا بالهوان، لا بل الصبر عند فقدان الحيلة، مع الحرص على الأخذ بأسباب النصر، وعدم التقصير في ذلك، وأن النصر غير مربوط بالأشخاص، ولا بحسن السلوك، وصحة العمل وصدقه.

ولكن، مع وضوح هذا المنهج الرباني، نجد أن هذا الأصل غائبا عن كثير من المسلمين، ولا سيما بعض الذين يحسبون أنفسهم على الدعوة والعلم، فترى السلوكيات المتطرفة التي تنبئ عن اليأس، مثل قتل غير المحاربين، وتخريب المصالح العامة، ومعاداة غير الموافقين من المسلمين، بل وتكفيرهم، وكذلك الغدر بالمستأمنين والمعاهدين من غير المسلمين، باجتهادات هي أبعد ما تكون عن الفقه، هذا فضلا عن الخلو المطلق من الاستعداد المادي للجهاد.

• أما الغائب الثاني فهو اتباع السنن الربانية الكونية. وهنا ينبغي التنبيه، إلى أن كثيرا من أهل العلم يربطون النصر على أعداء الأمة ومغتصبي أرضها في خطبهم ووعظهم بمجرد التدين والرجوع إلى الله تعالى، ويؤكدون أن سبب الهزيمة هو عدم الإخلاص والصدق، ويفصلون في الدعوة إلى إقامة الشعائر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يعرجون إلى سنة الله التي لا تتبدل في أن النصر له قوانين لابد له منها، وكأن النصر عندهم يأتي بمجرد الإيمان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. نعم يؤيد الله بنصره عباده المؤمنين، لكن هذا التأييد له سنن أيضا (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا، فإن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مئتين، وإن يكن منك ألف يغلبوا ألفين)، ولذا ذكر الفقهاء إن الذي يفر من ثلاثة ليس متوليا، هذا طبعا مع استواء العدة. ولهذا أمر الله تعالى بالقوة (يا يحيى خذ الكتاب بقوة)، وقوله تعالى (خذوا ما آتيناكم بقوة)، وقوله تعالى (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدوا الله وعدوكم)، وقوله صلى الله عليه وسلم (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله على المؤمن الضعيف، وفي كل خير).

• وهنا ينبغي النظر بالمقابل إلى غير المسلمين لفهم هذه السنن الربانية، فكيف نفسر الهيمنة والتحكم والنصر الذي يتمتع به هؤلاء مع بعدهم عن الله تعالى وسوء أخلاقهم وظلمهم، لا شك أن ذلك يخضع لهذه السنن الربانية، وأن من جد وجد ومن زرع حصد.

• وأيضا ينبغي الفقه أن المطلوب من علماء المسلمين هو الدعوة إلى إقامة الدين الصحيح والكامل وهو إقامة السنن التعبدية والسنن الكونية، وأن الدين لا يقوم إلا بذلك، وأن الدعوة إلى العلم والتكنولوجيا هو من صلب الدين ومن لوازم العقيدة، وأن من نظر إلى أحد الأمرين دون الآخر فقد ضيع إقامة الدين، وأن الدعوة إلى ذلك هو من واجب العلماء قبل أن يكون واجب الحكام والمثقفين، قال تعالى (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات، وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط، وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس، وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب، إن الله قوي عزيز).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير