قال شيخ الإسلام في رسالة أرسلها إلى بعض المسلمين في المجموع (28/ 51): وتعلمون أن من القواعد العظيمة التي هي جماع الدين: تأليف القلوب واجتماع الكلمة وصلاح ذات البين، فإن الله تعالى يقول (فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم) ويقول (واعتصموا بالله جميعا ولا تفرقوا) ويقول (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات، وأولئك لهم عذاب عظيم)، وأمثال ذلك من النصوص التي تأمر بالجماعة وتنهى عن الفرقة والاختلاف.
وأهل هذا الأصل هم أهل الجماعة، كما أن الخارجين عنه هم أهل الفرقة. أهـ
وما سماه من سماه من المسلمين بـ (سماحة الوالد) إلا لكونه كالوالد في حرصه على هداية أبنائه ورحمته بهم.
إن الأمة اليوم أحوج ما تكون لمثل هذا الإمام الجليل في عظمة علمه وسعة قلبه ودقة فهمه لمصالح الأمة. ولا أزال أذكر جوابه حين سئل عن بعض مبتدعة المسلمين ممن خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا فقال منشدا:
أقلوا عليهم لا أبا لأبيكمُ من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا
وما هذا الفهم الدقيق إلا فهم سلف الأمة وأئمتها، فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية يقول في المجموع (13/ 95): وهذا كالحجج والأدلة التي يذكرها كثير من أهل الكلام والرأي، فإنه ينقطع بها كثير من أهل الباطل ويقوى بها كثير من أهل الحق وإن كانت في نفسها باطلة فغيرها أبطل منها، والخير والشر درجات، فينتفع بها أقوام ينتقلون مما كانوا عليه إلى ما هو خير منه.
وقد ذهب كثير من مبتدعة المسلمين من الرافضة والجهمية وغيرهم إلى بلاد الكفار فأسلم على يديه خلق كثير، وانتفعوا بذلك وصاروا مسلمين مبتدعين، وهو خير من أن يكونوا كفارا. وكذلك بعض الملوك قد يغزوا غزوا يظلم فيه المسلمين والكفار ويكون آثما بذلك، ومع هذا فيحصل به نفع خلق كثير كانوا كفارا فصاروا مسلمين، وذلك كان شرا بالنسبة للقائم بالواجب، وأما بالنسبة إلى الكفار فهو خير.
وكذلك كثير من الأحاديث الضعيفة في الترغيب والترهيب والفضائل والأحكام والقصص، قد يسمعها أقوام فينتقلون بها إلى خير مما كانوا عليه وإن كانت كذبا، وهذا كالرجل يسلم رغبة في الدنيا ورهبة من السيف، ثم إذا أسلم وطال مكثه بين المسلمين دخل الإيمان في قلبه، فنفس ذل الكفر الذي كان عليه و انقهاره ودخوله في حكم المسلمين خير من أن يبقى كافرا، فانتقل إلى خير مما كان عليه، وخف الشر الذي كان فيه، ثم إذا أراد الله هدايته أدخل الإيمان إلى قلبه.
والله تعالى بعث الرسل بتحصيل المصالح و تكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها، والنبي صلى الله عليه وسلم جعل الخلق بغاية الإمكان ونقل كل شخص إلى خير مما كان عليه بحسب الإمكان (ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون). وأكثر المتكلمين يردون باطلا بباطل وبدعة ببدعة، لكن قد يردون باطل الكفار من المشركين وأهل الكتاب بباطل المسلمين، فيصير الكافر مسلما مبتدعا، وأخص من هؤلاء من يرد البدع الظاهرة كبدعة الرافضة ببدعة أخف منها وهي بدعة أهل السنة. أهـ
إن الزخم الإسلامي الهائل ليس زخما هشا كما قد يتصور البعض، بل هو طاقة كامنة فاعلة تحتاج لإعمالها إلى علماء يجمعون في عقولهم النقل المصدق مع النظر المحقق ويجمعون في قلوبهم الذلة للمؤمنين مع العزة على الكافرين. ولقد كان الإمام ابن باز كذلك، ونسأل الله تعالى أن يرحم الأمة بأمثاله، كما رحمها من قبل بأمثال ابن تيمية وابن القيم والعز بن عبد السلام ومحمد بن عبد الوهاب وغيرهم من الأئمة.
وكتبه أبو بكر البغدادي
ـ[أبو بكر البغدادي]ــــــــ[24 - 01 - 06, 09:38 م]ـ
الظلم ظلمات يوم القيامة
بقلم أبو بكر البغدادي
إن شيوع الظلم في الأرض ليعد من الدلائل العظيمة على قيام الساعة، ذلك لأن الذي خلق السموات والأض والنجوم والشمس والقمر والإنسان والحيوان والنبات والماء والهواء بميزان رباني دقيق متوازن لا يمكن أن يدع الظلم بلا توازن، ولكن يبتلي الله تعالى بني آدم في الحياة الدنيا ويملي لهم ثم يكون الميزان يوم القيامة (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تُظلم نفس شيئا، وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين).
¥