تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

• أن السبب الأول لظهور هذا الصنف هو فقد أو قلة العلماء زمانا أو مكانا. فعن عبد الله بن عمر بن العاص قا ل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقو ل "إن الله لايقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يترك عالما اتخذ الناس رؤسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا". (رواه البخاري ومسلم)

• والسبب الثاني هو ظهور مسائل الفتن والشبهة حيث يجد هؤلاء مكانا لهم بين العوام بما يوجب التحذير منهم كما وصى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فعن عائشة قالت تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله،والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب)

قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم ". (رواه البخاري ومسلم)

• وعلى هذا كان السلف ينبهون على التحري عن منهج من يتكلم بالعلم كما قال محمد بن سيرين: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم) (رواه مسلم بسنده الى محمد)

• وهنا لابد من الإشارة الى أن خطورة هذا الصنف تكمن أيضا بأنهم يملكون قدرا من العلم بما يعينهم على بث فسادهم هذا بإيجاد حظوة عند بعض الناس. قال شيخ الإسلام في المجموع (5: 119): أكثر ما يفسد الدنيا: نصف متكلم ونصف متفقه ونصف متطبب ونصف نحوي: هذا يفسد الأديان وهذا يفسد البلدان وهذا يفسد الأبدان وهذا يفسد اللسان. أهـ

• فلا يبعد أن يكون من هؤلاء كثير ممن يتكلم بالعلم، فعن يحيى بن يعمر قال كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين أو معتمرين فقلنا لو لقينا أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر فوفق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب داخلا المسجد فاكتنفته أنا وصاحبي أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي فقلت أبا عبد الرحمن إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرءون القرآن ويتقفرون العلم وذكر من شأنهم وأنهم يزعمون أن لاقدر وأن الأمر أُنُفٌ قال فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني منهم بريء وأنهم برآء مني والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لإحدهم ذهبا فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر. (رواه مسلم والأربعة)

• فهؤلاء لابد من رد شبههم ردا تفصيليا ولا يناسب في هذا المقام إهمالهم والتكرم عن الرد عليهم فإن لكل مقام مقال وإن الإهمال يعظم في شبهتهم إن كان لهم أتباع معتبرون. كما قال تعالى (ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا) وكما فعل ابن عباس مع الخوارج حين حاججهم ورد شبههم فرجع كثير منهم الى الحق،وكما فعل أئمة الإسلام على مر القرون برد شبه الفرق الضالة.

• ولكن لابد هنا من اتباع الحكمة في الرد عليهم والنظر الى المصلحة الراجحة. فقد تكون المصلحة بمجرد الرد والبيان إن كانوا ممن يسمع وليس فيهم تعصب، أو بالأمر والزجر ونوع من العقاب إن أظهروا التعصب وكان للأمر شوكة عليهم. وقد تكون المداراة واجبة إن كانوا متعصبين وأصحاب شوكة كما نقل عن الإمام أحمد بن حنبل من أن أهل خراسان لم يكونوا يقوون بالجهمية كما نقله شيخ الإسلام في المجموع (28: 210) في كلامه على الهجر.

• وقد يعد من هذا الصنف نوع آخر من العلماء وهم علماء ليس لهم مقاصد فاسدة ولكنهم وضعوا في مرتبة العلماء المتبعين ضمن ظروف تقليدية رسمية أو ظروف خاصة، فهؤلاء ينبغي مراعاتهم والتفاعل معهم فيما عندهم من الخير كما لابد من نصحهم بما يكون أصلح لهم.

• أما بالنسبة للصنف الثالث من العلماء وهم من هم علماء أو طلبة علم على وجه الحقيقة ولكن ليسوا معتبرين عند العوام بأسباب مختلفة: منها أنهم معروفون ولكن لم يصلوا بعد درجة القبول عند العوام. ومنها أنهم غير معروفين بسبب غربة أو هجرة أو مسلك علم غير تقليدي أو ظروف خاصة لا سيما في وقتنا الحاضر، فهؤلاء خير سند وعون لعلماء الأمة،كما يؤمل فيهم أن يكون منهم علماء الأمة بعد حين.

• إن أعظم مهمة يقوم بها هؤلاء هي مهمة الدعوة والبيان الشرعي، والمساهمة في البحث العلمي للمسائل الراهنة ورد شبة أهل البدع والضلالات. إنهم في الحقيقة بمثابة الظل لعلماء الأمة.

• وهنا لابد من الإشارة الى مسألة مهمة هي أن هؤلاء العلماء قد يكون فيهم من هو أعلم في الحقيقة من العلماء المعروفين من الصنف الأول، ولكن هذا لايبرر لهم البتة التصدي للفتاوى الخاصة بالمصالح العامة للأمة، لما في ذلك من الفتنة المترتبة عند الإختلاف، بل يكون من الواجب عليهم إعانة علماء الصنف الأول لإتخاذ الفتوى الصائبة فإن لم تكن الفتوى كذلك فإن دورهم يكون في المساهمة الفاعلة في كبت الفتنة واحتوائها إن حدثت.

أبو بكر البغدادي

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير