تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

10 - إن كون النص يفيد العلم أمر نسبي إضافي، فقد يفيده عند شخص ولا يفيده عند آخر بحسب الخلفية العلمية لكل واحد منهما، والناس يتفاوتون في القدرة على الفهم كما يتفاوتون في قدر الحصول على العلم الصحيح، وهو أمر قدري في الغالب يعذر الناس به إذا بذلوا وسعهم ولم يحصلوا على الصحيح الذي يفيد العلم في نفس الأمر من جهة الثبوت أو من جهة الدلالة، مع اعتبار وجوب دلالة الناس إلى الحق على من وفقه الله تعالى إليه، لأن الأصل هو رفع أعذار الجهل بالبيان والتدليل، كما هي مهمة الرسل وأتباعهم.

قال شيخ الإسلام في كلامه على من قسم الدين إلى أصول يكفر من جهلها ومسائل فروع لا ضير في جهلها، قال (23/ 347): وإن قال: الأصول هي المسائل القطعية، قيل له: كثير من مسائل العمل قطعية، وكثير من مسائل العلم ليست قطعية، وكون المسألة قطعية أو ظنية هو من الأمور الإضافية، وقد تكون المسألة عند رجل قطعية لظهور الدليل القاطع له، كمن سمع النص من الرسول صلى الله عليه وسلم وتيقن مراده منه، وعند رجل لا تكون ظنية فضلا عن أن تكون قطعية لعدم بلوغ النص إياه، أو لعدم ثبوته عنده، أو لعدم تمكنه من العلم بدلالته. أهـ

وقال شيخ الإسلام (3/ 312): وأما قوله هل يكفي في ذلك ما يصل إليه المجتهد من غلبة الظن أو لابد من الوصول إلى القطع؟ فيقال: الصواب في ذلك التفصيل فإنه وإن كان طوائف من أهل الكلام يزعمون أن المسائل الخبرية التي قد يسمونها مسائل الأصول يجب القطع فيها جميعا ولا يجوز الاستدلال فيها بغير دليل يفيد اليقين، وقد يوجبون القطع فيها كلها على كل أحد، فهذا الذي قالوه على إطلاقه وعمومه خطأ، مخالف للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها.

ثم قال: وأما التفصيل فما أوجب الله فيه علم اليقين وجب فيه ما أوجبه الله من ذلك، كقوله (اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم)، وقوله (فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك)، وكذلك يجب الإيمان بما أوجب الله الإيمان به.

وقد تقرر في الشريعة أن الوجوب معلق باستطاعة العبد كقوله (فاتقوا الله ما استطعتم) وقوله على الله عليه وسلم (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) أخرجاه في الصحيحين.

فإذا كان كثير مما تنازعت فيه الأمة من هذه المسائل الدقيقة قد يكون عند كثير من الناس مشتبها لا يقدر فيه دليل يفيد اليقين لا شرعي ولا غيره لم يجب على مثل هذا في ذلك مالا يقدر عليه، وليس عليه أن يترك ما يقدر عليه من اعتقاد قوي غلب على ظنه لعجزه عن تمام اليقين، بل ذلك الذي يقدر عليه، لاسيما إذا كان مطابقا للحق. فالاعتقاد المطابق للحق ينفع صاحبه ويثاب عليه ويسقط به الفرض إذا لم يقدر على أكثر منه.

11 - العمل بالظن الراجح أمر قطعي:

المقصود في هذا الضابط هو تحديد معنى الدليل الظني ولوازمه فقد اتكأ على الوصف الظني للدليل كثير ممن ميع الشريعة وأحكامها لجهله بالمقصود بالظني ولوازمه من جهة ثم للنزعات الباطلة التي تولدت عند كثير من الدعاة ممن جمع حسن النية مع الجهل إلى محاولة تسهيل الشريعة للناس بطريقة غير شرعية لغرض دعوتهم إلى الإسلام، حيث تولدت هذه النزعات بسبب غرابة الشريعة بالنسبة للمجتمعات الإسلامية فضلا عن غير الإسلامية.

وما من شك أن الدين يسر ولا حرج فيه ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها وان كل الأحكام الشرعية في وسع جميع البشر على وجه العموم ومن تحقق فيه الحرج منهم فلا إثم عليه. إن الناظر إلى حال المجتمعات في عصرنا الحاضر يدرك تماما مدى البعد فيها عن الإسلام ويدرك أيضا أن من الصعب أن ينقل هؤلاء الناس إلى الإسلام بأحكامه الشرعية الراتبة جملة واحدة. ومن المعلوم أن الشريعة راعت هذا الفرق مراعاة دقيقة مفصلة لابد للداعي إلى الإسلام أن يضبط أصول تلك المراعاة الشرعية ليتحقق له ما يبغي من تلك الدعوة على الوجه المشروع.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير