وللحديث شواهد كثيرة: عن جابر عند أحمد وابن ماجه وعن ابن عباس عند الدارقطني والحاكم وعن ابن الفراسي عند ابن ماجه، وعند الدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وعند الدارقطني والحاكم عن علي وعند الدارقطني عن أبي بكر وابن عمر. راجع التلخيص الحبير ومن أراد الإستيفاء في البحث فليرجع إلى البدر المنير في تخريج أحاديث الشرح الكبير لابن الملقن.
وقد اختلف في اسم الرجل فقال الصنعاتي في السبل: في مسند أحمد (من بني مدلج) وعند الطبراني (أسمه عبد الله …) هـ.
قوله هو الطهور: بالفتح أي الطاهر " وهو وصف ماء البحر. وأما بالضم: فإنه الفعل.
قوله الحل: أي الحلال كما في بعض ألفاظ الحديث، والحلال ضد الحرام.
قوله ميتة: الميتة هي ما مات حتف أنفه أو من غير ذكاة شرعية. والمراد مامات في البحر مما لايعيش إلا فيه لا مامات فيه مطلقاً.
أورد المؤلف رحمه الله تعالى هذا الحديث لبيان طهورية ماء البحر.
في هذا الحديث فوائد منها:
1ـ طهورية ماء البحر وأنه يرفع الحدث الأصغر والأكبر. وهذا ماعليه عامة أهل العلم.
" قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: هو الطهور ماؤه الحل ميتته " وقال عمر رضي الله عنه " و أي ماء أطهر من ماء البحر " روى هذين الأثرين ابن أبي شيبة وهما صحيحان وطهارة ماء البحر مروية عن جمع من الصحابة. وروي عن عبدالله بن عمر وعبدالله بن عمرو ما يدل على خلاف ذلك وروى ابن أبي شيبة عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: التيمم أحب إلى من الوضوء من ماء البحر " وروي أيضاً عن عبد الله ابن عمرو رضي الله عنهما قال " ماء البحر لا يجزئ من وضوء ولا جنابة، إن تحت البحر ناراً، ثم ماءً، ثم ناراً، حتى عدَّ سبعة أبحر ". وقد روى أبو داود والبيهقي عن عبد الله بن عمرو مرفوعاً: " لا يركب البحر إلا حاج أو معتمر أو غاز في سبيل الله، فإن تحت البحر ناراً وتحت النار بحراً " لكنه ضعيف جداً فيه راويان مجهولان وهما بشر أبي
عبد الله وبشير بن مسلم. انظر السلسلة الضعيفة 1/ 478. 2ـ وفيه من الفوائد أيضاً: حلُّ ميتة البحر. لكن هل المراد ميتة السمك أم العموم؟
فيه خلاف بين أهل العلم:
ـ فقالت الحنفية: يحرم كل ما سوى السمك.
ـ وقال أحمد يؤكل كل ما في البحر إلا الضفدع والتمساح ويبدو من استثناء الضفدع والتمساح هو أنهما برمائيان.
ـ وقال مالك يباح كل ما في البحر.
ـ وذهب جماعة إلى أن ماله نظير من البر فإنه يؤكل نظيره من حيوان البحر. ولا يؤكل ما لا يؤكل نظيره في البر. مثال ذلك: عجل البحر فإن له نظيرا في البر, والعجل معلوم أنه يؤكل. ومثال ماله نظير في البر مما لايؤكل: كلب البحر. ومن المعلوم أن الكلب البري محرم أكله.
والقول الصحيح إن شاءالله: هو القول بحل كل ميتة البحر مما لا يعيش إلا فيه لهذا الحديث إلا ما ثبت خبثه وضرره لقوله تعالى: " ويحرم عليهم الخبائث " ولا فرق بين ما أخذ من البحر أو كان طافياً أو ما قذفه البحر قال أبو بكر رضي الله عنه: " الطافي حلال " علقه البخاري وروي ابن أبي شيبة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:" لا بأس بما قذف البحر " وفي لفظ قال: " ما لفظ على ظهره ميتاً فهو طعامه " وروى نحوه عن ابن عباس والله أعلم. 3ـ وفيه من الفوائد: أن السنة تخصص عموم القرآن لأن الله تعالى حرّم الميتة، وهذا عام، وورد في هذا الحديث ما يدل على تخصيص ميتة البحر. 4ـ وفيه من الفوائد: استحباب الزيادة في الجواب على سؤال السائل إذا ظن المفتي أن السائل قد يجهل الحكم أو أنه قد يُبتلى به. 5ـ وقد يؤخذ من هذا الحديث عدم وجوب حمل الماء الكافي للطهارة مع القدرة على حمله. 6ـ وفي الحديث حسن تعليمه صلى الله عليه وسلم وحسن إجابته على السؤال فإنه لم يجبه بقوله: نعم حتى لا يُظن أن الوضوء من ماء البحر خاص بالسائل وبمن كان على مثل حاله ولكنه أجاب جواباً عاماً للسائل ولغيره.
¥