تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[سامي عبد العزيز]ــــــــ[06 - 04 - 06, 07:57 م]ـ

قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} وهذا استفهام إنكار بين به أن هذه التوبة ليست هي التوبة المقبولة المأمور بها ... ومثله قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ. فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ. فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} 1 الآية، بين أن التوبة بعد رؤية البأس لا تنفع، وأن هذه سنة الله التي قد خلت في عباده كفرعون وغيره”2.

وقبول التوبة قبل حضور الموت؛ لأن الرجاء باق ويصح الندم والعزم على ترك الفعل، قال القرطبي: “قال علماؤنا رحمهم الله وإنما صحت منه التوبة في هذا الوقت؛ لأن الرجاء باق ويصح الندم والعزم على ترك الفعل، وقيل: المعنى يتوبون على قرب عهد من الذنب من غير إصرار، والمبادرة في الصحة أفضل وألحق لأمله في العمل الصالح والبعد كل البعد عن الموت، وأما ما كان قبل الموت فهو قريب”3.

وقد أخبر الله تعالى عن الأمم المكذبة بالرسل في قديم الدهر بأنهم لما رأوا وقوع عذاب الله بهم وحّدوا الله عز وجل وكفروا بالطاغوت فلم يقبل الله منهم توبتهم، قال تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ. فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ} 4، فهذا حكم الله في جميع من تاب عند معاينة العذاب أنه لا يقبل، وهذه سنة الله وعادته أن المكذبين حين ينْزل بهم بأس الله وعقابه إذا آمنوا كان إيمانهم غير صحيح ولا مقبولاً؛ لأنه إيمان ضرورة قد اضطروا إليه، وإيمان

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ

1 سورة غافر، الآيات 83 - 85.

2 مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 18/ 190، 191.

3 التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة 1/ 85.

4 سورة غافر، الآيتان 84 وَ 85.

مشاهدة، وإنما الإيمان المقبول المنجي هو الإيمان الاختياري، الذي يكون إيماناً بالغيب، وذلك قبل وجود قرائن العذاب1.

يقول الطبري: “لم يك ينفعهم تصديقهم في الدنيا بتوحيد الله عند معاينة عقابه قد نزل، وعذابه قد حل؛ لأنهم صدقوا حين لا ينفع التصديق مصدقا؛ إذ كان قد مضى حكم الله في السابق من علمه أن من تاب بعد نزول العذاب من الله على تكذيبه لم تنفعه توبته”2.

ويشهد لهذا الشرط المهم من شروط قبول التوبة ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال”إن الله عز وجل ليقبل توبة العبد ما لم يغرغر”3، أي فإذا غرغر وبلغت الروح الحنجرة، وعاين الملك فلا توبة حينئذ4.

وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ} قال بعض العلماء بأن المراد: إذا أخروا التوبة إلى حضور الموت فتابوا حينئذ، فلن تقبل توبتهم، فيكون مثل قوله تعالى في الآية السابقة: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ}، وتقرر في الأصول حمل المطلق على المقيد، ولا سيما إذا اتحد الحكم والسبب كما هنا6.

وروى الطبري ت310? بسنده عن الحسن البصري ت110? قوله في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ

1 انظر تفسير القرآن العظيم 4/ 91، وتيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص690

2 جامع البيان في تفسير القرآن 24/ 58.

3 رواه ابن ماجه في سننه، كتاب الزهد، باب ذكر التوبة، ح4253، وقال الألباني عنه (حسن) انظر صحيح سنن ابن ماجه 2/ 418ح 3430.

4 انظر تفسير القرآن العظيم 4/ 91.

5 سورة آل عمران، الآية 90.

6 انظر أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن 1/ 343.

هذه الآية هم اليهود والنصارى لن تقبل توبتهم عند الموت1.

وقال ابن تيمية: “قال الأكثرون ... لن تقبل توبتهم حين يحضرهم الموت ... ، قلت: وذلك لأن التائب راجع عن الكفر، ومن لم يتب فإنه مستمر يزداد كفراً بعد كفر، فقوله {ثُمَّ ازْدَادُوا} بمنْزلة قول القائل: ثم أصروا على الكفر، واستمروا على الكفر، وداموا على الكفر، فهم كفروا بعد إسلامهم، ثم زاد كفرهم ما نقص، فهؤلاء لا تقبل توبتهم، وهي التوبة عند حضور الموت؛ لأن من تاب قبل حضور الموت فقد تاب من قريب، ورجع عن كفره، فلم يزدد بل نقص، بخلاف المصر إلى حين المعاينة، فما بقي له زمان يقع لنقص كفره فضلاً عن هدمه”2.

أما ما ثبت “أن أبا طالب لما حضرته الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم ـ وعنده أبو جهل ـ فقال: أي عم، قل: لا إله إلا الله كلمةًَ أحاجُّ لك بها عند الله”3 الحديث، فقد قال ابن حجر بأنه صلى الله عليه وسلم لقن عمه الشهادة قبل أن يدخل في الغرغرة، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم (أحاج لك بها عند الله) كأنه عليه الصلاة والسلام فهم من امتناع أبي طالب من الشهادة في تلك الحالة أنه ظن أن ذلك لا ينفعه؛ لوقوعه عند الموت؛ أو لكونه لم يتمكن من سائر الأعمال الصالحة كالصلاة وغيرها، فلذلك ذكر له المحاججة، وأما لفظ (الشهادة) فيحتمل أنه يكون ظن أن ذلك لا ينفعه إذ لم يحضر حينئذ أحد من المؤمنين مع النبي صلى الله عليه وسلم فطيب قلبه بأن يشهد له بها فينفعه، وهذا يدل على “أن التوبة مقبولة ولو في شدة مرض الموت حتى يصل إلى المعاينة فلا يقبل”4، كما يدل هذا الحديث على أن الكافر إذا شهد شهادة الحق

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ

1 انظر جامع البيان في تفسير القرآن 3/ 243.

2 مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 16/ 29.

3 رواه البخاري في صحيحه، كتاب مناقب الأنصار، باب قصة أبي طالب ح3884.

4 فتح الباري شرح صحيح البخاري 7/ 195، 196 وانظر ما ذكره ابن بطال في شرح صحيح البخاري 3/ 344.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير