ـ[سامي عبد العزيز]ــــــــ[06 - 04 - 06, 08:05 م]ـ
المبحث السادس: حضور الشيطان حين الاحتضار
روى مسلم في صحيحه بسنده عن جابر بن عبد الله قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول”إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه حتى يحضره عند طعامه، فإذا سقطت من أحدكم اللقمة فليمط ما كان بها من أذى ثم ليأكلها ولا يدعها للشيطان فإذا فرغ فليلعق أصابعه فإنه لا يدري في أي طعامه تكون البركة”1.
فقوله صلى الله عليه وسلم في أول هذا الحديث”إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه" فيه تحذير للعباد من الشيطان، وتنبيه على ملازمته للإنسان في تصرفاته وجميع أحواله؛ ليتأهبوا ويحترزوا منه، ولا يغتروا بما يزينه لهم2.
وقد استدل بعض العلماء بهذا الحديث على حضور الشيطان عند المحتضر؛ لإغوائه وافتتانه، كما استدلوا أيضاً بما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال”كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ومن عذاب النار، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال”3.
قال ابن دقيق العيد ت 702هـ: “فتنة المحيا ما يعرض للإنسان مدة حياته من الافتتان بالدنيا والشهوات والجهالات، وأعظمها والعياذ بالله أمر الخاتمة عند الموت، وفتنة الممات يجوز أن يراد بها الفتنة عند الموت، أضيفت إليه لقربها منه، ويكون المراد بفتنة المحيا على هذا ما قبل ذلك، ويجوز
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
1 رواه مسلم، كتاب الأشربة، باب استحباب لعق الأصابع والقصعة وأكل اللقمة الساقطة ح2033.
2 انظر صحيح مسلم بشرح النووي 13/ 205 - 206.
3 رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب التعوذ من عذاب القبر ح1377.
أن يراد بها فتنة القبر”1.
كما قد استدل شيخ الإسلام ابن تيمية بحديث الاستعاذة من فتنة المحيا والممات على حضور الشيطان عند المحتضر لإغوائه، وأنه قد يعرض الأديان على بعض العباد، حيث قال رحمه الله: “أما عرض الأديان على العبد وقت الموت فليس هو أمراً عاماً لكل أحد، ولا هو أيضاً منتفياً عن كل أحد، بل من الناس من تعرض عليه الأديان قبل موته، ومنهم من لا تعرض عليه، وقد وقع ذلك لأقوام، وهذا كله من فتنة المحيا والممات التي أمرنا أن نستعيذ منها في صلاتنا، منها ما في الحديث الصحيح "أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نستعيذ في صلاتنا من أربع من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال”2، ولكن وقت الموت أحرص ما يكون الشيطان على إغواء بني آدم؛ لأنه وقت الحاجة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح”الأعمال بخواتيمها”3 وقال صلى الله عليه وسلم “إن العبد ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن العبد ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها”4 ... ، ولهذا يقال: إن من لم يحج يخاف عليه من ذلك، لما روى أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال”من ملك زاداً أو راحلة تبلغه إلى بيت الله الحرام ولم يحج، فليمت إن شاء يهودياً، وإن شاء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
1 نقلاً عن فتح الباري شرح صحيح البخاري 2/ 319.
2 سبق تخريجه في ص: 119.
3 رواه البخاري، كتاب الرقاق، باب الأعمال بالخواتيم، وما يخاف منها، ح6493.
4 رواه البخاري، كتاب التوحيد، باب قوله تعالى {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ} ح7454.
نصرانياً”1 ... ”2.
وقال في موضع آخر: “وأما عرض الأديان وقت الموت فيبتلى به بعض الناس دون بعض ... ”3.
وذكر ابن حجر أن الأكثر والأغلب في سوء الخاتمة أنه لا يقع إلا لمن في طويته فساد أو ارتياب، ويكثر وقوعه للمصرّ على الكبائر والمجترئ على العظائم، إذ يهجم عليه الموت بغته فيصطلمه4 الشيطان عند تلك الصدمة، فيكون ذلك سبباً لسوء خاتمته5.
¥