ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
1 رواه البخاري، كتاب القدر، باب العمل بالخواتيم ح6607.
2 رواه البخاري، كتاب الرقاق، باب الأعمال بالخواتيم وما يخاف منها ح6493.
علم أنه يختم له بالإيمان، ومن علم أنه يختم له بالكفر يزداد غياً وطغياناً وكفراً، فاستأثر الله تعالى بعلم ذلك؛ ليكون العباد بين خوف ورجاء، فلا يعجب المطيع لله بعمل، ولا ييأس العاصي من رحمته، ليقع الكل تحت الذل والخضوع والافتقار إليه”1.
وروى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال”إن أحدكم ـ أو الرجل ـ ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها غيرُ باع أو ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها غير ذراع أو ذراعين، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها”2.
يخبر الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن الرجل يعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع؛ لقرب أجله ووفاته، فيسبق عليه الكتاب الأول، الذي كتب أنه من أهل النار، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وقد دل الحديث السابق ذكره، وهو”إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار" على أن عمله بعمل أهل الجنة هو فيما يبدو للناس وليس حسناً، وكذلك الرجل الثاني الذي يعمل بعمل أهل النار، فيمن الله عليه بالتوبة والرجوع إلى الله عند قرب أجله فيعمل بعمل أهل الجنة، فيدخلها، ومن أحسن العمل في قلبه وظاهره؛ فإن الله تعالى لا يضيع أجره3، قال تعالى: {إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً} 4.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
1 شرح صحيح البخاري 10/ 203.
2 رواه البخاري، كتاب القدر، باب (1) في القدر ح6594.
3 انظر فتاوى الشيخ محمد الصالح العثيمين 1/ 71.
4 سورة الكهف، الآية 30.
وقال ابن دقيق العيد: “وأما الحديث”إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار"؛ فإنه لم يكن عمله صحيحاً في نفسه، وإنما كان رياءً وسمعة .. ، وقوله صلى الله عليه وسلم “فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة ... إلى قوله: فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها" المراد: أن هذا قد يقع في نادر من الناس، لا أنه غالب فيهم، وذلك من لطف الله سبحانه وسعة رحمته؛ فإن انقلاب الناس من الشر إلى الخير كثير، وأما انقلابهم من الخير إلى الشر ففي غاية الندور، ولله الحمد والمنة على ذلك”1.
فقوله صلى الله عليه وسلم “وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة ... إلخ" ظاهر الحديث يدل على أن هذا العامل كان عمله صحيحاً، وأنه قرب من الجنة بسبب عمله، حتى بقي له على دخولها ذراع، وإنما منعه من ذلك سابق القدر الذي يظهر عند الخاتمة؛ فإذاً الأعمال بالسوابق لكن لما كانت السابقة مستورة عنا والخاتمة ظاهرة جاء في الحديث "إنما الأعمال بالخواتيم" يعني عندنا، بالنسبة إلى اطلاعنا في معنى الأشخاص وفي بعض الأحوال”2.
وروى أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال”لا تعجبوا بعمل أحد حتى تنظروا بما يختم له؛ فإن العامل يعمل زماناً من دهره، أو برهة من دهره بعمل صالح لو مات عليه دخل الجنة، ثم يتحول فيعمل عملاً سيئاً، وإن العبد ليعمل زماناً من دهره بعمل سيء لو مات عليه دخل النار، ثم يتحول فيعمل عملاً صالحاً، وإذا أراد الله بعبد خيراً استعمله قبل موته فوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه”3.
وفي رواية أخرى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال”إذا أراد الله بعبد خيراً استعمله" فقيل:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
1 شرح الأربعين النووية ص22، 23.
2 انظر المصدر السابق ص22.
3 رواه أحمد في مسنده 3/ 120 و123 و230 و257، وذكره الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 3/ 323 ح 1334 ثم قال: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
كيف يستعمله يا رسول الله؟! قال: " يوفقه لعمل صالح قبل الموت”1.
وروى الإمام أحمد بسنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إذا أراد الله بعبد خيراً عَسَلَه، فقيل: وما عسله؟ قال: يفتح له عملاً صالحاً بين يدي موته حتى يرضى عنه من حوله”، وفي رواية قال: “يفتح له عملاً صالحاً قبل موته ثم يقبضه عليه”2.
نخلص مما مضى إلى أن الشقاوة والسعادة قد سبق بهما الكتاب الأول، وأنهما مقدرتان بحسب خواتم الأعمال، وكلٌ ميسر لما خلق له، ومن مات على شيء حكم له به من خير أو شر، مع الجزم بأن أصحاب الكبائر غير الكفر تحت المشيئة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
1 رواه الترمذي، كتاب القدر، باب ما جاء أن الله كتب كتاباً لأهل الجنة وأهل النار ح2142، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وأورده الألباني في صحيح سنن الترمذي2/ 445 ح2142 وقال: صحيح.
2 رواه أحمد في مسنده 5/ 224 وَ 4/ 200 وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير1/ 117 ح307 وسلسلة الأحاديث الصحيحة 3/ 107 - 108 ح1114.
المطلب الثاني: حسن الخاتمة وأبرز علاماتها
حسن الخاتمة هو أن يموت العبد على حال ترضي الله سبحانه وتعالى، وقد دل كتاب الله تعالى على أهمية حسن الخاتمة، في آيات، منها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} 1، وقوله جل وعلا: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} 2، فلا بد من الالتزام بالعبادة والتقوى حتى الموت؛ فإن ذلك من أعظم أسباب حسن الخاتمة.
ولا شك أن من أعظم أسباب حسن الخاتمة الحرص على سلامة العقيدة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
1 سورة آل عمران، الآية 102.
2 سورة الحجر، الآية 99.
¥