ولما كان خطرهم مستمراً ولم ينفكوا يدعون الناس إلى ضلالهم ولم يبرح بعض الناس ينخدع بهم أحببت أن أشارك في التحذير منهم لعلّ الله ينفع بما كتبت من شاء من عباده فيتقوا حيل منكري السنة فلا يقعوا في حبائلهم أو يغتروا بمعسول كلامهم.
ولا يفهمن أحد من تسمية هذه الفرقة بالقرآنيين أنه مدح لهم أو تعبير عن شدّة تمسكهم بالقرآن، كلاّ، بل الواقع أن هذه التسمية آتية لهم من حيث إنهم تنكروا للقرآن ورفضوا ما ثبت فيه من اتباع الرسول e وطاعته مما نشأ عنه ضلال كبير في تطبيق الأوامر القرآنية فخرجوا بذلك عن جماعة المسلمين، فسمّوا قرآنيين من ذلك الجانب.
وهذا له نظير في تسمية فرقة القدرية إذ سُموا بذلك لا لأنهم أثبتوا القدر وسلّموا له، ولكن من حيث إنهم أنكروه ونفوه ().
وليس فيما سوّدت هذه العصابة أثارة من علم، أو بقية من بحث، فإن العلم إما نقل مصدّق، أو بحث محقق، وما سوى ذلك فهذيان مزوّق.
وإنما سلكوا فيما سوّدوا من صحائف مسالك السفهاء المارقين والزنادقة الملحدين، ولم تكن ضلالاتهم عن شبهات مؤثرة أو إيرادات محيّرة، وإنما كانت عماياتهم من جرّاء وساوس شيطانية وأهواء نفسية أو عمالات استعمارية ().
فاستعنت الله على ردّ باطلهم، وأدرت البحث على مقدمة وفصلين، أما المقدمة فهذه قد أوشكت على الانتهاء.
وأما الفصل الأول ففي ثلاثة مباحث
المبحث الأول في ضرورة اعتماد السنة لسلامة فهم القرآن.
المبحث الثاني في إبراز شيء من دفاع أهل العلم عن السنة.
المبحث الثالث في حكم منكر السنة.
الفصل الثاني في شبه فرقة القرآنيين منكري السنة في شبه القارة الهندية والرد عليها، وهي ثماني شبه.
وكلّ ما نقلته من شبهات القرآنيين فعن " القرآنيون وشبهاتهم حول السنة " أخذته، وما سوى ذلك فقد حرصت على أن أرجع إلى المصادر الأصيلة.
فما كان في بحثي من صواب فمن الله وحده هو المانّ به، وما كان فيه من خطإ فمنّي ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان منه.
الفصل الأول:
المبحث الأول: ضرورة اعتماد السنة لسلامة فهم القرآن
أنزل الله القرآن تبياناً ((لكل شيء من أمور الدين إما بالنص عليه أو بالإحالة على ما يوجب العلم؛ مثل بيان رسول الله e أو إجماع
المسلمين)).
هكذا فسّر ابن الجوزي () قوله تعالى:] ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء [(النحل: 89). ونسبه إلى العلماء بالمعاني.
وقال تعالى:] ما فرطنا في الكتاب من شيء [يُعنى بالكتاب اللوح المحفوظ في قول ابن عباس الثابت عنه، قال: ((ما تركنا شيئاً إلا وقد كتبناه في أمّ الكتاب)). وتبعه قتادة وابن زيد.
وفُسِّر الكتاب بالقرآن في القول الثاني لابن عباس، قال: ((ما تركنا من شيء إلا وقد بيناه لكم)).
قال ابن الجوزي: ((فعلى هذا يكون من العام الذي أريد به الخاص فيكون المعنى: ما فرطنا في شيء بكم إليه حاجة إلا وبينّاه في الكتاب إما نصاً وإما مجملاً وإما دلالة)) ().
وقال القرطبي: ((ما تركنا شيئاً من أمر الدين إلا وقد دللنا عليه في القرآن، إما دلالة مبينة مشروحة، وإما مجملة يُتلقى بيانها من الرسول عليه الصلاة والسلام، أو من الإجماع، أو من القياس الذي () ثبت بنص الكتاب، قال الله تعالى:] ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء [وقال:
] وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم [وقال:] وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا [فأجمل في هذه الآية وآية النحل ما لم ينص عليه مما لم يذكره، فصدق خبر الله بأنه ما فرّط في الكتاب من شيء إلا ذكره، إما تفصيلاً وإما تأصيلاً؛ وقال:] اليوم أكملت لكم
دينكم [().
وعلى كثرة نظري في كتب التفسير لاستجلاء معنى الآيتين لم أر من فهم منهما أن القرآن لا يحتاج إلى بيان النبي e ، ومن خالف ما أجمع عليه المفسرون ظهر زيغه وانحرافه.
¥