وقد كان الصحابة أرباب الفصاحة والزكانة وكانوا مستغنين عن علوم الوسائل التي افتقر إليها المتأخرون، بيد أنهم احتاجوا إلى تفسير النبي e ، فبين ((أن الظلم المذكور في قوله:] ولم يلبسوا إيمانهم بظلم [هو الشرك، وأن الحساب اليسير هو العرض، وأن الخيط الأبيض والأسود هما بياض النهار وسواد الليل، وأن الذي رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى هو جبريل، كما فسر قوله:] أو يأتي بعض آيات ربك [أنه طلوع الشمس من مغربها، وكما فسر قوله:] ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة [بأنها النخلة، وكما فسر قوله:] يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة [أن ذلك في القبر حين يُسأل من ربك وما دينك، وكما فسر الرعد بأنه ملك من الملائكة موكل بالسحاب، وكما فسر اتخاذ أهل الكتاب أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله بأن ذلك باستحلال ما أحلوه لهم من الحرام وتحريم ما حرموه من الحلال، وكما فسر القوة التي أمر الله أن نُعدّها لأعدائه بالرمي، وكما فسر قوله:] من يعمل سوءاً يجز به [بأنه ما يجزى به العبد في الدنيا من النصب والهم والخوف واللأواء، وكما فسر الزيادة في قوله تعالى:] للذين أحسنوا الحسنى وزيادة [(يونس: 26) بأنها النظر إلى وجه الله الكريم)) ().
وهي كما ترى معانٍ لا يُتوصل إليها بمجرد إتقان لسان العرب، فلو لم يأت بها بيان الرسول e لكنا في عماية من أمرها.
فالسنة تبين مجمل القرآن، قال تعالى:] وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة [وقال سبحانه:] كتب عليكم الصيام [وقال جل من قائل:
] ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً [، فبين النبي e بفعله وقوله أن الصلوات المفروضات خمس في اليوم والليلة وبين أعداد ركعاتها وشروطها وأركانها ثم قال: ((صلوا كما رأيتموني أصلّي))، وبين أن الحائض لا صلاة عليها لا أداء ولا قضاء.
وكذلك الزكاة بيّن حقيقتها وعلى من تجب؟ وبيّن أنصبتها، وأنها تؤخذ من العين من الذهب والفضة والمواشي من الإبل والغنم والبقر السائمة مرة كل عام، وأوجبها في بعض ما أخرجت الأرض دون بعض ().
((وبيّن أن الصيام هو الإمساك بالعزم على الإمساك عما أمر بالإمساك عنه من طلوع الفجر إلى دخول الليل)) ().
وفرض على البالغين من الأحرار والعبيد ذكورهم وإناثهم إلا الحيّض فإنهن يقضين عدة من أيام أخر.
وبيّن الرسول e أن الحج لا يجب في العمر إلا مرة واحدة وبيّن ما يلبس المحرم مما لا يلبسه وحدّد مواقيت الحج والعمرة وبيّن عدد الطواف وكيفيته، كلّ ذلك ليس بيانه في القرآن.
وأوجب الله سبحانه قطع يد السارق فقال:] والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما [فبينت السنة أنها لا تقطع إلا في ربع دينارفصاعداً وأنها تقطع من مفصل الكوع.
فلو تُرِكْنا وعقولَنا لم نعرف هذه الأحكام، فتبيّن أنه لا يُستغنى عن السنة في فهم القرآن، وقد عرف الصحابة ذلك فكانوا يعرفون للسنة قدرها، فهذا جابر بن عبد الله يقول أثناء سرده صفة حج النبي e (( ورسول الله e بين أظهرنا، وعليه ينزل القرآن، وهو يعرف تأويله، وما عمل به من شيء عملنا به)) ().
وعن ابن عمر قال: قال رسول الله e : (( ائذنوا للنساء بالليل إلى المساجد)) فقال ابن له، يقال له واقد: إذن يتخذنه دَغَلاً.
قال: فضرب في صدره وقال: أحدثك عن رسول الله e ، وتقول: لا! ().
وروي عن عمران بن حصين رضي الله عنه أنه ذكر الشفاعة، فقال رجل من القوم: يا أبا نجيد، إنكم تحدثونا بأحاديث لم نجد لها أصلاً في القرآن، فغضب عمران وقال للرجل: قرأت القرآن؟ قال: نعم. قال: فهل وجدت فيه صلاة العشاء أربعاً ووجدت المغرب ثلاثاً، والغداةركعتين، والظهر أربعاً والعصر أربعاً؟ قال: لا. قال: فعمن أخذتم ذلك؟ ألستم عنّا أخذتمونا وأخذناه عن رسول الله e ؟ أوجدتم فيه: في كل أربعين شاة شاة، وفي كل كذا بعيراً كذا، وفي كل كذا درهماً كذا؟ قال: لا. قال: فعمن أخذتم ذلك؟ ألستم عنا أخذتموه وأخذناه عن النبي e ؟ . وقال: في القرآن] وليطوفوا بالبيت العتيق [(الحج: 29). أوجدتم في القرآن: ((لا جلب ولا جنب ولا شغار في الإسلام))؟ أما سمعتم الله قال في كتابه:] وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا [؟! قال عمران: فقد أخذنا عن رسول الله
¥