يقول برويز: ((لو كانت السنة جزءاً من الدين لوضع لها رسول الله e منهجا كمنهج القرآن من الكتابة والحفظ والمذاكرة، .. لأن مقام النبوة يقتضي أن يعطي الدين لأمته على شكل محفوظ، لكنّه e احتاط بكلّ الوسائل الممكنة لكتاب الله، ولم يفعل شيئا لسنّته، بل نهى عن كتابتها بقوله: لا تكتبوا عني غير القرآن، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه)) () ().
الرد:
نقول: ما هذا المنهج في القرآن؟ وإذا لم يكن منصوصا في القرآن – وليس منصوصا قطعا - فمن أين علمتم بوجود هذا المنهج، وقد رفضتم السنة وجعلتموها مختلقة مفتراة؟ فكيف تستدلون بسنة مختلقة مفتراة بزعمكم على أهمّ المطالب عندكم وهي ادعاء أن النبي e وضع للقرآن منهجا في كتابته وحفظه ومذاكرته، ولم يعمل للسنة مثله.
فهذا تناقض أصلع وتضارب أعمى كتب الله على معاندي الحق ومشاغبي الحجج ومناوئي الدين أن يتورطوا في أوحاله.
أما السنة فقد رغب الرسول e الأمة في حفظها فقال: ((نضر الله امرأ سمع منّا شيئاً فبلّغه كما سمع فرب مبلغ أوعى من سامع)) ()، فهذا الحديث فيه أعظم حث على حفظ السنن، والمذاكرة من وسائل الحفظ وطرقه فليست مخالفة للحفظ، والوسيلة لها حكم المقصد.
وقال الرسول e : (( ليبلغ الشاهد الغائب)) () ففيه حض على الحفظ أيضا إذ لا يمكن تبليغ ما لم يحفظ، إما اللفظ وإما المعنى.
فهذا كاف في حفظ السنة، مع علم الرسول e بأنها من الذكر الذي تكفل الله بحفظه، وعلمه بحرص الصحابة على الحديث وأن بعضهم أحرص عليه من بعض. سأل أبو هريرة رسول الله e من أسعد النّاس بشفاعتك يوم القيامة؟ فقال e : لقد ظننت يا أبا هريرة ألاّ يسألني عن هذا الحديث أحد أوّل منك لما رأيت من حرصك على الحديث ((أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله صدقاً من قلبه)) ().
والحديث الذي استدلوا به رواه مسلم من طريق همام عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد مرفوعاً بلفظ: ((لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه)) ().
وهو الحديث الوحيد الصحيح فيما أعلم الناهي عن كتابة الأحاديث النبوية، ووردت أحاديث عديدة صحيحة في الأمر بكتابة الأحاديث النبوية والرخصة فيها.
وقد سلك أهل العلم في دفع ظاهر التعارض بين هذا الحديث والأحاديث الأخرى مسالك متعددة:
المسلك الأول: مسلك الترجيح لأحاديث الإذن على حديث النهي.
وقد وهَّم الإمام البخاري ()، والإمام أبو داود () همَّاماً في رفع هذا الحديث وصوَّبا وقفه على أبي سعيد الخدري، ولا تعارض بين حديث موقوف وأحاديث مرفوعة.
المسلك الثاني: مسلك النسخ، وهو القول بأن أحاديث الإذن متأخرة عن حديث النهي ناسخة له، وقد ذهب إلى ذلك ابن شاهين () وآخرون.
المسلك الثالث: مسلك الجمع بينهما وفيه طرائق:
قال البيهقي: ((لعله إن شاء الله أذن في الكتابة عنه لمن خشي عليه النسيان، ونهى عن الكتابة عنه لمن وثق بحفظه، أو نهى عن الكتابة عنه من خاف عليهم الاختلاط وأذن في الكتابة عنه حين أمن منه)) ().
وذكر الزركشي وجوها أخرى في الجمع بينهما فقال: ((أحدها: أن النهي عن الكتابة مخصوص بحياة سيد البشر النبي e ؛ لأن النسخ يطرأ في كل وقت فيختلط الناسخ بالمنسوخ، ويشهد له حديث أبي شاه لما أذن له في كتابة الخطبة التي خطب بها النبي e .. الثاني: أن النهي لئلا يتكل الكاتب على ما يكتب ولا يحفظ فيقل الحفظ .. الثالث: ألا يتخذ مع القرآن كتابا يضاهى به)) ().
وهذا الخلاف كان في العصر الأول، ثم أجمعت الأمة على تسويغ كتابة الحديث والعلم، واستقر الأمر على ذلك ().
وليس في مسلك من هذه المسالك التي سلكها أهل العلم ما يشهد لما ضلت به هذه العصابة وفرقت به الأمة وشذت به عن السواد الأعظم،
) وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ((هود: 60).
الشبهة الثانية.
يقول عبد الله جكرالوي مؤسس الفرقة: ((إن الكتاب المجيد ذكر كل شيء يحتاج إليه في الدين مفصلا ومشروحا من كل وجه، فما الداعي إلى الوحي الخفي وما الحاجة إلى السنة)) ()؟
ويقول في موضع آخر: ((كتاب الله كامل مفصل لا يحتاج إلى الشرح ولا إلى تفسير محمد e له وتوضيحه إياه أو التعليم العملي بمقتضاه)) ().
¥