تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأما التفضيل المقيد: فهو بحسب قيده، فإن الناس يتفاضلون في أمور ومواهب وقدرات، فالناس يتفاضلون في العلم، وفي الذكاء والفهم، وفي قوة الحفظ، أو حسن الإدارة والتنظيم، وأمثال ذلك فهنا المفاضلة تكون بحسب الحاجة إليها، وهي مفاضلة مقيدة لا علاقة لها بالأفضلية عند الله تعالى وإنما فيما يظهر للناس.

فهذا السهروردي يقول عنه الذهبي: (كان يتوقد ذكاء، إلا أنه قليل الدين) (انظر سير أعلام النبلاء 21/ 207) والأمثلة من ذلك كثير.

وقاعدة السلف - رضوان الله عليهم - أنا لا نقدم إلا من قدمه الله ورسوله، ولا نؤخر إلا من أخره الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-. كما ينبغي هنا الإشارة إلى أن أعمال القلوب والتفاضل فيها يرفع أصحابها منازل عليا عند الله تعالى؛ (فإنك ترى الرجل الفاضل ذا الهمة العالية، والعمل الدؤوب. في نشر الإسلام، وكثرة العبادة مع طول عمره، ثم تجد من هو أقل منه نشاطاً وعملاً، أو أقصر منه عمراً أحب إلى الله تعالى من الأول (

وأما من جهة كثرة العمل والعبادة، ومفاضلتها بما في القلب فقد وجد من العباد من اشتهر بكثرة الصلاة والصيام والإنفاق في سبيل الله تعالى، وملازمة التقوى والخوف من الله تعالى، كالحسن البصري، وسعيد بن المسيب، وسفيان الثوري، والإمام أحمد وغيرهم، وهم في أفرادهم بل في مجموعتهم لا يصلون رتبة أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-، بل الأمة كلها لا تصل إلى رتبة الصديق -رضي الله عنه- لأنه جمع خصائص لم تجتمع لغيره بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

ولذلك ينبغي أن يكون التفضيل بين الأشخاص قائماً على العدل والإنصاف واعتبارات الشرع لا على الهوى والتعصب، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (ومن سلك طريق الاعتدال عظم من يستحق التعظيم وأحبه ووالاه، وأعطى الحق حقه، فيعظم الحق ويرحم الخلق) (انظر منهاج السنة النبوية 4/ 543 (

كما أن التفضيل المطلق في كل الأمور يصعب الحكم به في كثير منها، وذلك لاشتمال كل واحد منهما على فضيلة لا توجد في الآخر فيلجأ حينئذ إلى التفضيل، لأن التفضيل بدون التفصيل لا يستقيم.

يقول ابن القيم -رحمه الله-: (الخلاف في كون عائشة أفضل من فاطمة، أو فاطمة أفضل، إذا حرر محل التفضيل صار وفاقاً، فالتفضيل بدون التفصيل لا يستقيم، فإن أُريد بالفضل كثرة الثواب عند الله عز وجل فذلك أمر لا يطلع عليه إلا بالنص لأنه بحسب تفاضل أعمال القلوب لا بمجرد أعمال الجوارح، كم من عاملين أحدهما أكثر عملاً بجوارحه والآخر أرفع درجة منه في الجنة وإن أريد بالتفضيل التفضل بالعلم، فلا ريب أن عائشة أعلم وأنفع للأمة، وأدت للأمة من العلم ما لم يؤد غيرها، واحتاج إليها خاص الأمة وعامتها، وإن أريد بالتفضيل شرف الأصل وجلالة النسب فلا ريب أن فاطمة أفضل، فإنها بضعة من النبي -صلى الله عليه وسلم- وذلك اختصاص لم يشركها فيه غير إخوتها، وإن أريد السيادة ففاطمة سيدة نساء الأمة، وإذا ثبتت وجوه التفضيل وموارد الفضل وأسبابه صار الكلام بعلم وعدل، وأكثر الناس إذا تكلم في التفضيل لم يفصل جهات الفضل، ولم يوازن بينها، فيبخس الحق، وإن انضاف إلى ذلك نوع تعصب وهوى لمن يفضله تكلم بالجهل والظلم، وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن مسائل عديدة من مسائل التفضيل فأجاب فيها بالتفصيل الشافي؛ فمنها أنه سئل عن تفضيل الغني الشاكر على الفقير الصابر أو العكس، فأجاب بما يشفي الصدور فقال: أفضلهما أتقاهما لله، فإن استويا في التقوى استويا في الدرجة .. ومنها أنه سئل عن خديجة وعائشة أمي المؤمنين أيهما أفضل؟ فأجاب بأن سبق خديجة وتأثيرها في أول الإسلام، ونصرها وقيامها في الدين لم تشركها فيه عائشة ولا غيرها من أمهات المؤمنين، وتأثير عائشة في آخر الإسلام وحمل الدين وتبليغه إلى الأمة وإدراكها من العلم ما لم تشركها فيه خديجة ولا غيرها مما تميزت به عن غيرها. فتأمل هذا الجواب الذي لو جئت بغيره من التفضيل مطلقاً لم تخلص من المعارضة .. فعلى المتكلم في هذا الباب:

1 - أن يعرف أسباب الفضل أولاً (بتعلم العلم الشرعي من مظانه (

2 - ثم درجاتها ونسبة بعضها إلى بعض والموازنة بينها ثانياً.

3 - ثم نسبتها إلى من قامت به - ثالثاً - كثرة وقوة.

4 - ثم اعتبار تفاوتها بتفاوت محلها رابعاً.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير