تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فرب صفة هي كمال لشخص وليست كمالاً لغيره، بل كمال غيره بسواها؛ فكمال خالد بن الوليد بشجاعته وحروبه، وكمال ابن عباس بفقهه وعلمه، وكمال أبي ذر بزهده وتجرده عن الدنيا.

فهذه أربع مقامات يضطر إليها المتكلم في درجات التفضيل. وتفضيل الأنواع على الأنواع أسهل من تفضيل الأشخاص على الأشخاص، وأبعد من الهوى والغرض.

وههنا نكتة خفية لا ينتبه لها إلا من بصره الله: وهي أن كثيراً ممن يتكلم في التفضيل يستشعر نسبته وتعلقه بمن يفضله ولو على بعد، ثم يأخذ في تقريظه وتفضيله، وتكون تلك النسبة والتعلق مهيجة له على التفضيل، والمبالغة فيه، واستقصاء محاسن المفضل، والإغضاء عما سواها، ويكون نظره في المفضل عليه بالعكس ومن تأمل كلام أكثر الناس في هذا الباب رأى غالبه غير سالم من هذا، وهذا مناف لطريقة العلم والعدل التي لا يقبل الله سواها ولا يرضى بغيرها.

ومن هذا التفضيل كثير من أصحاب المذاهب والطرائق وأتباع الشيوخ كل منهم لمذهبه وطريقته أو شيخه، وكذلك الأنساب والقبائل والمدن والحرف والصناعات، فإن كان الرجل ممن لا يشك في علمه وورعه خيف عليه من جهة أخرى: وهو أنه يشهد حظه ونفعه المتعلق بتلك الجهة، ويغيب عن نفع غيره بسواها، لأن نفعه مشاهد له أقرب إليه من علمه بنفع غيره، فيفضل ما كان نفعه وحظه من جهته باعتبار شهوده ذلك وغيبته عن سواه، فهذه نكت جامعة مختصرة إذا تأملها المنصف عظم انتفاعه بها واستقام له نظره ومناظرته) (انظر بدائع الفوائد لابن القيم 3/ 161 - 164)

* القاعدة السابعة

المنهج الصحيح في الحب والبغض:

من المسلمين من يجتمع فيه أمران: أمر من الخير فيحب بسببه ويمدح عليه، وأمر من الشر فيذم بسببه ويبغض من جهته. وأما الحب والولاء بإطلاق فهو للمؤمنين، والبغض والبراء بإطلاق - أيضاً - فهو للكافرين، فإن الحب والبغض من أوثق عرى الإيمان، كما ثبت ذلك في الأثر (انظر مسند الإمام أحمد 4/ 286، وحسّنه الألباني في السلسلة 1728)

وإنما القاعدة في المسلم الذي يخلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً أنه يحب من جهة عمله للصالحات، ويمدح لذلك، ويبغض من جهة عمله للسيئات، ويذم لذلك.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: (وإنه كثيراً ما يجتمع في الفعل الواحد، أو في الشخص الواحد الأمران: فالذم والنهي والعقاب قد يتوجه إلى ما تضمنه أحدهما، فلا يغفل عما فيه من النوع الآخر، وقد يمدح الرجل بترك بعض السيئات البدعية الفجورية، لكن قد يسلب مع ذلك ما حمد به غيره على فعل بعض الحسنات السنية البرية، فهذا طريق الموازنة والمعادلة، ومن سلكه كان قائماً بالقسط الذي أنزل الله له الكتاب والميزان) (الفتاوى 10/ 366)

ويقول في موضع آخر: (ولا منافاة بين أن يكون الشخص الواحد يرحم ويحب من وجه، ويعذب ويبغض من وجه آخر) (الفتاوى 51/ 294)

ويقول الذهبي -رحمه الله- عن أبي جعفر الباقر: (ولقد كان أبو جعفر إماماً مجتهداً، تالياً لكتاب الله، كبير الشأن، لكن لا يبلغ في القرآن درجة ابن كثير (المقصود ابن كثير الذي هو أحد القراء، وليس ابن كثير صاحب التفسير الذي هو من أقران الذهبي.) ونحوه، ولا في الفقه درجة أبي الزناد وربيعة، ولا في الحفظ ومعرفة السنن درجة قتادة وابن شهاب، فلا نحابيه، ولا نحيف عليه، ونحبه في الله لما تجمع فيه من صفات الكمال) (انظر سير أعلام النبلاء 4/ 402)

وينبغي هنا التنبيه إلى أمر مهم، وهو: أن من الناس من يبني الحب والبغض على مدى موافقة الآخرين له، فتجد من يحب فلاناً من الناس لأنه على مذهبه أو طريقته في الدعوة، أو لأنه ضمن جماعته؟! وأمثال ذلك، وبعض الآخرين إذا خالفوه في رأي فقهي اجتهادي، أو نظري عملي، أو ما شابه ذلك، وهذا كله دليل على اختلال الإيمان في القلب، لأن هذا الأمر مبني على أوثق عرى الإيمان، فإن كان محملاً في الواقع، فهو كذلك في القلب.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير