فأمَّا إذا اختَلَف جماعةُ فيه، وأَتَوْا به على أقوالٍ عدًة، فهذا يُوهِنُ الحديث، ويَدُلُّ على أنَّ راوِيَه لم يُتقِنه.
نعم لو حَدَّثَ به على ثلاثِة أوجهٍ تَرجعُ إلى وجهٍ واحد، فهذا ليس بمُعْتَلّ، كأن يقولَ مالك: عن الزُّهري، عن ابن المسَّيب، عن أبي هريرة. ويقولَ عُقَيلُ: عن الزُّهري، عن أبي سَلَمة. ويَرويَه ابنُ عيينة، عن الزهري، عن سَعِيدٍ وَأبي سَلَمة معاً.
20ـــ المُدْرَج:
هي ألفاظ تقعُ من بعض الرواة، متصلةً بالمَتْن، لا يبِينُ للسامع إلا أنها من صُلْبِ الحديث، ويَدلُّ دليلُ على أنها من لفظِ راوٍ، بأن يأتيَ الحديثُ من بعضِ الطرق بعبارةٍ تَفْصِلُ هذا من هذا.
وهذا طريقّ ظنيّ، فإنْ ضَعُفَ توقَّفْنا أو رجَّحْنا أنها من المتن،
ويَبْعُدُ الإدراجُ في وسط المتن، كما لو قال: ((من مَسَّ أُنْثَيْيِه وذكَرَهُ
فلْيتوضأ)).
وقد صنَّف فيه الخطيب تصنيفاً، وكثيرُ منه غيرُ مُسلَّم له إدراجُه.
21ــــ ألفاظُ الأداء:
فـ (حدَّثَنا) و (سَمِعتُ) لِمَا سُمِع من لفظ الشيخ. واصطُلِح
على أنَّ (حدَّثَني) لِمَا سَمِعتَ منه وحدَك، و (حدَّثَنا) لِمَا سَمِعتَه معَ
غيرك. وبعضُهم سَوَّغ (حدَّثَنا) فيما قراه هو على الشيخ.
وأما (أخبَرَنا) فصادِقةٌ على ما سَمِع من لفظ الشيخ، أو قرأه هو،
أو قرأه آخَرُ على الشيخِ وهو يَسمع. فلفظُ (الإخبار) أعمُّ من (التحديث).
و (أخبرني) للمنفرِد. وسَوَّى المحققون كمالكٍ والبخاريِّ بين (حدَّثنا)
و (أخبِرنا) و (سَمِعتُ)، والأمرُ في ذلك واسع.
فأمَّا (أنبأنا) و (أنا) فكذلك، لكنها غلَبتْ في عُرف المتأخرين
على الإجازة. وقولُه تعالى: ? قالَتْ من أَنبأَك هذا قال: نَبَّأنيَ العليمُ
الخبير ?. دَالُّ على التَّساوِي. فالحديثُ والخبرُ والنَّبأُ مُترادِفاتُ.
وأما المغاربة فيُطلقون: (أخبرَنا)، على ما هو إجازةُ، حتى إنَّ
بعضهم يُطلقُ في الإجازة!: (حدَّثَنا). وهذا تدليس. ومن الناس من
عَدَّ (قال لنا) إِجازَةً ومُناوَلةً.
ومن التدليس أن يقولَ المحدَّثُ عن الشيخ الذي سَمِعَه، في أماكنَ
لم يَسمَعْها: قُرِئ على فلان: أخبَرك فلان. فربما فَعَل ذلك الدار قطنيُّ يقولُ: قُرئ على أبي القاسم البغوي: أخبرك فلان. وقال أبو
نُعَيم: قُرِئ على عبدا لله بن جعفر بن فارس:حدثنا هارون بن سليمان. ومن ذلك (أخبرنا فلانُ من كتابِه)، ورأيت ابنَ مُسَيَّب يفعله.
وهذا لا ينبغي فإنه تدليس، والصوابُ قولُك: في كتابه
(يراجع هل هنا قطع) ومن التدليس أن يكون قد حَضَر طِفْلاً على شيخٍ وهو ابُن سنتينِ أو
ثلاث، فيقول: أنبأنا فلان، ولم يقل: وأنا حاضر. فهذا الحضورُ العَرِيُّ
عن إذنِ المُسْمِع لا يُفيد اتصالاً، بل هو دون الإجازة، فإن الإجازة نوعُ
اتصال عن أئمة.
وحضورُ ابنِ عامٍ أو عامَيْنَ إذا لم يَقترن بإجازةٍ كلا شيءَ، إلا أن
يكون حضورُه على شيخٍ حافظِ أو محدِّثٍ وهو يَفْهَمُ ما يُحدِّثُه، فيكون
إقرارُه بكتابةِ اسمِ الطفل بمنزلةِ الإِذن منه له في الرواية.
ومن صُوَر الأداء: حدَّثَنا حَجَّاجَ بن محمد، قال: قال ابن جُرَيج.
فصيغةُ (قال) لا تدلُّ على اتصال.
وقد اغتُفِرَتْ في الصحابة، كقول الصحابي: قال رسول الله ?.
فحُكمُها الاتصالُ إذا كان ممن تُيُقِّنَ سَمَاعُه من رسول الله ?، فإن
كان لم يكن له إلا مُجرَّدُ رُؤْية، فقولُه: قال رسول الله ? محمولٌ على
الإرسال، كمحمود بن الرَّبِيع، وأبي أُمَامة بن سَهْل، وأبي الطُّفَيل، ومروان.
وكذلك (قال) من التابعي المعروفِ بلقاء ذلك الصحابي، كقول
عُروة: قالت عائشة. وكقولِ ابن سيرين: قال أبو هريرةَ، فحُكمُه
الاتصال.
وأرفَعُ من لفظةِ (قال): لفظةُ (عن). وأرفَعُ من (عن): (أخبرنا)،
و (ذَكَر لنا)، و (أنبأنا). وأرفعُ من ذلك: (حدَّثَنا)، و (سَمِعتُ).
وأما في اصطلاح المتأخرين فـ (أنبأنا)، و (عن)، و (كَتبَ إلينا)
واحِدٌ.
22ــــ المقلوب:
هو ما رواه الشيخُ بإسنادٍ لم يكن كذلك، فيَنقلِبُ عليه ويَنُطُّ من
إسنادِ حديثٍ إلى مَتْنٍ آخَرَ بعدَه. أو: أن يَنقلِبَ عليه اسمُ راوٍ مثْلُ
¥