(مُرَّة بن كعب) بـ (كعب بن مُرَّة، و (سَعْد بن سِنان) بـ (سِنَان
بن سَعْد).
فمن فعَلَ ذلك خطأً فقريب، ومن تعمَّد ذلك وركَّبَ متناً على
إسنادٍ ليس له، فهو سارقُ الحديث، وهو الذي يقال في حَقَّه: فلانُ
يَسرِقُ الحديث. ومن ذلك أن يَسِرقَ حديثاً ما سَمِعَه، فيدَّعِيَ سماعَهُ من
رجل.
وإن سَرَق فأَتى بإسنادٍ ضعيفٍ لمتنٍ لم يَثُبت سنَدُه، فهو أخفُّ
جُرماً ممن سَرَق حديثاً لم يصحَّ متنُه، وركَّب له إسناداً صحيحاً، فإن
هذا نوع من الوضع والافتراء. فإن كان ذلك في متون الحلال والحرام،
فهو أعظمُ إثماً وقد تبوَّأَ بيتاً في جهنم.
وأمَّا سَرِقَهُ السماع وادَّعاءُ ما لم يَسمع من الكتب والأجزاء، فهذا
كذبٌ مجرَّد، ليس من الكذب على الرسول ?، بل من الكذب على
الشيوخ، ولن يُفِلحَ من تعاناه، وقلَّ من سَتَر الله عليه منهم، فمنهم مَنْ
يَفتضِحُ في حياتِه، ومنهم من يَفتَضِحُ بعدَ وفاتِه، فنسألُ الله السَّتر والعفو.
فصل
لا تُشتَرَطُ العدالةُ حالةَ التحمُّل، بل حالةَ الأداء، فيَصِحُّ سماعُهُ
كافراً وفاجراً وصَبيّاً، فقد رَوَى جُبَير بن مُطْعِم رضي الله عنه أنه سَمِعَ
النبيَّ يقرأ في المغرب بـ (الطُّوْر). فسَمِعَ ذلك حالَ شِركِه، ورَوَاه
مؤمناً.
واصطلح المحدَّثون على جعلِهم سَمَاعَ ابن خمس سنين: سَمَاعاً،
وما دونها: حُضُوراً. واستأنَسُوا بأنَّ محموداً (عَقَل مَجَّةَّ) ولا دليلَ فيه.
والمعتبَرُ فيه إنما هو أهليةُ الفهم والتمييز.
1ـ مسألة: يَسُوغُ التصرُّفُ في الإسناد بالمعنى إلى صاحب الكتابِ أو
الجزء. وكرِهَ بعضُهم أن يزيدَ في ألقابِ الرواة في ذلك، وأن يزيدَ تاريخَ
سماعِهم، وبقراءةِ من سَمِعُوا، لأنه قَدْرُ زائد على المعنى.
ولا يَسُوغُ إذا وَصَلْتَ إلى الكتاب أو الجزء، أن تَتصرَّفَ في تغيير
أسانيدِه ومُتُونِه، ولهذا قال شيخنا ابنُ وهب: ينبغي أن يُنظَرَ فيه: هل
يَجبُ؟ أو هو مُستَحْسَن؟ وقُوَّى بعضُهم الوجوبَ مع تحويزهم الروايةَ
بالمعنى، وقالوا: مالَهُ أن يُغيَّر التصنيفَ. وهذا كلامُ فيه ضعف
أماَّ إذا نقلنا من (الجزء) شيئاً إلى تصانيِفنا وتخارِيجِنا، فإنه ليس في
ذلك تغيرٌ للتصنيف الأول.
قلتُ: ولا يَسُوغُ تغييرُ ذلك إلا في تقطيع حديثٍ، أو في جَمْعِ
أحاديثَ مفرَّقةٍ، إسنادُها واحد، فيقال فيه: وبِهِ إلى النبي ?.
2ـ مسألة: تَسمَّحَ بعضُهم أن يقول: سَمِعتُ فلاناً، فيما قَرَأه عليه،
أو يَقرؤُه عليه الغيرُ. وهذا خلافُ الاصطلاح أو من بابِ الروايِة
بالمعنى، ومنه قولُ المؤرَّخين: سَمِع فلاناً وفلاناً.
3ـ مسألة: إذا أَفرَد حديثاً من مثل نسخة هَمَّام، أو نسخة أبي مُسْهِر،
فإنْ حافَظَ على العبارة جاز وِفاقاً،كما يقول مسلم: ((فذكَرَ أحاديثَ،
منها: وقال رسولُ ?)) وإلا فالمحقَّقون على الترخيصِ في التصريفِ
السائِغ.
4ـ مسألة: اختصارُ الحديث وتقطيعُه جائزُ إذا لم يُخِلَّ معنىً. ومن
الترخيص تقديمُ مَتْنٍ سَمِعهَ على الإسناد، وبالعكس، كأن يقول: قال
رسولُ الله ?: النّدَمُ تَوْبَة، أخبَرَنا به فلان عن فلان.
5ـ مسألة: إذا ساق حديثاً بإسناد، ثم أَتبعَه بإسنادٍ آخَرَ وقال: مثلُه،
فهذا يجوزُ للحافظ المميز للألفاظ، فإن اختَلَف اللفظُ قال: نحوُه، أو
قال: بمعناه أو بنحوٍ منه.
6ـ مسألة: إذا قال: حدَّثَنا فلانُ مذاكَرةً، دَلَّ على وَهْنٍ مَّا، إذْ
المذاكرةُ يُتَسمَّحُ فيها.
ومن التساهل: السَّماعُ من غير مقابلة، فإن كان كثيرَ الغَلَط لم
يَجُز، وإن جَوَّزنا ذلك فيَصِحُّ فيما صَحَّ من الغلط، دون المغلوط وإن
نَدَر الغَلَطُ فمُحَتمَل، لكن لا يجوزُ له فيما بعدُ أن يُحدَّثَ من أصلِ
شيخِه.
23ــــ آدابُ المحدَّث:
تصحيحُ النيَّةِ من طالب العلم متعيَّن، فمن طَلَب الحديثَ للمكاثرة
أو المفاخرة، أو ليَروِيَ، أو لِيتناوَلَ الوظائفَ، أو ليُثْنى عليه وعلى معرفتِه
فقد خَسِر. وإنْ طلَبَه لله، وللعمل به، وللقُربةِ بكثرة الصلاة على نبيه
?، ولنفعِ الناس، فقد فاز. وإن كانت النيَّةُ ممزوجةُ بالأمرينِ فالحكمُ
للغالب.
وإن كان طَلَبَه لفَرْطِ المحبةِ فيه، مع قطع النظر عن الأجْرِ وعن بني
¥