آدم، فهذا كثيراً ماً: يَعتبري طلبةَ العُلُوم، فلعلَّ النيَّةَ أن يَرزُقَها اللهُ بعدُ.
وأيضاً فمن طَلَب العلم للآخِرة كَسَاهُ العِلمُ خَشْيَةً لله، واستَكانَ وتواضَعَ،
ومن طلبه للدنيا تكبَّرَ وتجبَّر، وازدَرَى بالمسلمين العامَّة، وكان عاقبةُ
أمرِه إلى سِفَالٍ وحَقَارة.
فليحتسِب المحدَّثُ بحديثهِ، رجاءَ الدخولِ في قوله ?: ((نَضَّر الله
امرءاً سَمِعَ مقالتي فوعاها، ثم أدَّاها إلى من لم يَسمعها)).
ولْيَبْذُلْ نفسَه للطلبةِ الأخيار، لا سيما إذا تَفرَّد، ولْيَمْتَنَعْ مع الهَرَمِ
وتغيَّرِ الذهن، ولْيَعْهَدَ إلى أهله وإخوانه حالَ صحته: أنكم متى رأيتموني
تغيَّرتُ، فامنَعُوني من الرواية.
فمن تَغيَّرَ بسُوءِ حفظٍ وله أحاديثُ معدودة، قد أَتقَنَ روايتَها، فلا
بأس بتحديِثه بها زمنَ تغيُّره.
ولا بأس بأن يُجيزَ مروياَّ تِه حالَ تغيُّره، فإنَّ أصولَه مضبوطةُ ما
تغيَّرتْ، وهو فَقَدَ وَعْيَ ما أجاز. فإن اختَلَط وخَرِفَ امتُنِعَ من أخْذِ
الإجازةِ منه.
ومن الأدب أن لا يُحدَّثَ مع وجودِ من هو أَولَى منه لِسِنهِّ وإتقانِه.
بل يَدُلَّهم على المُهِمّ، فالدَّينُ النصيحة.
فإنْ دَلَّهم على مُعَمَّرٍ عامِيٍ، وعَلِمَ قُصورَهم في إقامِة مرويَّاتِ العاميِّ، نَصَحهم ودَلَّهم على عارفٍ يَسمعون بقراءتهِ، أو حَضَر مع العاميِّ ورَوَى بنُزولٍ، جَمْعاً بين الفوائد.
ورُوي أنَّ مالكاً رحمه الله كان يَغتسِلُ للتحديث، ويَتبخَّرُ،
ويتطيَّبُ، ويَلبَسُ ثيابَه الحسنة، ويَلزمُ الوَقارَ والسَّكينة، ويَزْبُرُ من يَرفعُ صوتَه، ويُرَتِّلُ الحديث.
وقد تَسمَّح الناسُ في هذه الأعصار بالإسراع المذموم، الذي يَخفَى
معه بعضُ الألفاظ. والسماعُ هكذا لا مِيزةَ له على الإجازةِ، بل الإجازةُ
صِدْقّ، وقولُك: سَمِعتُ أو قرأتُ هذا الجزءَ كلَه ـ مع التَّمْتَمَةِ ودَمْجِ
بعض الكلمات ـ كَذِبُ.
وقد قال النَّسائيُّ في عِدَّةِ أماكنَ من ((صحيحه)): وذَكَرَ كلمةً
معناها كذا وكذا.
وكان الحُفَّاظُ يَعقِدون مجالسَ للإملاء، وهذا قد عُدِمَ اليوم،
والسماع بالإملاء يكون مُحقَّقاً ببيانِ الألفاظِ للمُسمِع والسامع.
ولْيجتنِبْ روايةَ المشكلات، مما لا تحملُه قلوبُ العامَّة، فإن رَوَى
ذلك فليكن في مجالس خاصة. وَيَحرُمُ عليه روايةُ الموضوع، وروايةُ
المطروح، إلا أن يُبيّنَه للناسِ ليَحذّرُوه.
الثقة:
تُشتَرَطُ العدالةُ في الراوي كالشاهد، ويمتازُ الثقةُ بالضبطِ والإتقان،
فإن انضاف إلى ذلك المعرفةُ والإكثارُ، فهو حافظ.
والحُفَّاظُ طبقات:
1ـ في ذِرْوَتِها أبو هريرة رضي الله عنه.
2ـ وفي التابعين كابنِ المسيَّب.
3ـ وفي صِغارِهم كالزُّهريِّ
4ـ وفي أتباعِهم كسفيان، وشعبة، ومالك.
5ـ ثم ابنِ المبارك، ويحيى بنِ سعيد، ووكيع، وابنِ مهدي.
6ـ ثم كأصحابِ هؤلاء، كابن المَدِيني، وابنِ مَعِين، وأحمد، وإسحاق،
وخَلْق.
7ـ ثم البخاريِّ، وأبي زُرْعَة، وأبي حاتم، وأبي داود، ومُسْلِم.
8ـ ثم النَّسائيِّ، وموسى بنِ هارون، وصالحِ جَزَرَة، وابنِ خُزَيمة.
9ـ ثم ابنِ الشَّرْقي. وممن يُوصَفُ بالحفظ والإتقانِ جماعةُ من الصحابة
والتابعين.
10ـ ثم عُبَيدِ الله بنِ عمر، وابنِ عَوْن، ومِسْعَر.
11ـ ثم زائدة، والليثِ، وحمَّادِ بن زيد.
12ـ ثم يزيدُ بنِ هارون، وأبو أسامة، وابنُ وهب.
13ـ ثم أبو خيثمة، وأبو بكر بن أبي شيبة، وابن نُمَير، وأحمد بن صالح.
14ـ ثم عَبَّاسٌ الدُّوْرِي، وابنُ وارَهْ، والترمذيُّ، وأحمدُ بن أبي خَيْثَمة،
وعبدُ الله بن أحمد
15ـ ثم ابنُ صاعِد، وابن زياد النيسابوري، وابنُ جَوْصَا، وابنُ الأَخْرَم.
16ـ ثم أبو بكر الإسماعيلي، وابنُ عَدِيّ، وأبو أحمد الحاكم.
17ـ ثم ابنُ منده، ونحوُه.
18ـ ثم الَبرْقَانيُّ، وأبو حازم العَبْدَوِي.
19ـ ثم البيهقيُّ، وابنُ عبد البَرّ.
20ـ ثم الحُمَيدي، وابنُ طَاهِر.
21ـ ثم السِّلَفِيّ، وابن السَّمْعاني.
22ـ ثم عبدالقادر، والحازمي.
23ـ ثم الحافظ الضياء، وابنُ سيد الناس خطيبُ تونس.
24ـ ثم حفيدُه حافظ وقتِه أبو الفتح.
وممن تقدَّم من الحفاظِ في الطبقةِ الثالثة: عَدَدٌ من الصحابةِ وخلقٌ من
¥