تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن الثقات الذين لم يُخْرَجْ لهم في ((الصحيحين)) خَلْقٌ، منهم:

من صَحَّح لهم الترمذيُّ وابنُ خزيمة ثم: من رَوَى لهم النسائي وابنُ حِبَّان

وغيرُهما، ثم: ـ مَنْ ـ لم يُضَعِّفْهم أحد واحتَجَّ هؤلاء المصنِّفون بروايتهم.

وقد قيل في بعضهم: فلانٌ ثقة، فلان صدوق، فلان لا بأس به،

فلان ليس به بأس، فلان محلُّه الصدق، فلان شيخ، فلان مستور، فلان

رَوَى عنه شعبة، أو: مالك، أو: يحيى، وأمثالُ ذلك. كـ: فُلانٌ حسَنُ

الحديث، فلانٌ صالحُ الحديث، فلانٌ صدوقٌ إن شاء الله.

فهذه العبارات كلُّها جيَّدة، ليسَتْ مُضعِّفةً لحالِ الشيخ، نعم ولا

مُرَقِّيةً لحديِثه إلى درجة الصِّحَّةِ الكاملةِ المتفَقِ عليها، لكنْ كثيرٌ ممن ذكرنا

مُتَجَاذَبٌ بين الاحتجاجِ به وعَدَمِه.

وقد قيل في جَمَاعاتٍ: ليس بالقويِّ، واحتُجَّ به. وهذا النَّسائيُّ

قد قال في عِدَّةٍ: ليس بالقويّ، ويُخرِجُ لهم في ((كتابه) قال: قولُنا:

(ليس بالقوي) ليس بجَرْحٍ مُفْسِد.

والكلامُ في الرُّواة يَحتاجُ إلى وَرَعٍ تامّ، وبَراءةٍ من الهوى والمَيْل،

وخِبرةٍ كاملةٍ بالحديثِ وعِلَلِه، ورجالِه.

ثم نحن نفتَقِرُ إلى تحرير عباراتِ التعديلِ والجرح وما بين ذلك، من

العباراتِ المُتَجَاذَبَة.

ثم أهَمُّ من ذلك أن نَعلمَ بالا ستقراءِ التامِّ: عُرْفَ ذلك الإمامِ

الجِهْبِذ، واصطلاحَه، ومقاصِدَه، بعباراتِه الكثيرة.

أما قولُ البخاري: (سكتوا عنه)، فظاهِرُها أنهم ما تعرَّضوا له

بجَرْح ولا تعديل، وعَلِمنا مقصدَه بها بالا ستقراء: أنها بمعنى تركوه.

وكذا عادَتُه إذا قال: (فيه نظر)، بمعنى أنه متَّهم، أو ليس بثقة. فهو

عنده أسْوَأُ حالاً من (الضعيف).

وبالا ستقراءِ إذا قال أبو حاتم: (ليس بالقوي)، يُريد بها: أنَّ

هذا الشيخ لم يَبلُغ درَجَة القويِّ الثَّبْت. والبخاريُّ قد يُطلقُ على الشيخ:

(ليس بالقوي)، ويريد أنه ضعيف.

ومن ثَمَّ قيل: تجبُ حكايةُ الجرح والتعديل، فمنهم من نَفَسُهُ حادٌّ في

الجَرْح، ومنهم من هو معتدِل،ومنهم من هو متساهل.

فالحادُّ فيهم: يحيى بنُ سعيد، وابنُ معين، وأبو حاتم، وابنُ خِراش،

وغيرُهم.

والمعتدلُ فيهم: أحمد بن حنبل، والبخاري، وأبو زُرْعَة.

والمتساهلُ كالترمذيِّ، والحاكم، والدارقطنيِّ في بعض الأوقات.

وقد يكون نَفَسُ الإمام ـ فيما وافَقَ مذهبَه، أو في حالِ شيخِه ـ

ألطفَ منه فيما كان بخلاف ذلك. والعِصمةُ للأنبياءِ والصديقين وحُكَّام

القِسْط.

ولكنَّ هذا الدين مؤيَّد محفوظ من الله تعالى، لم يَجتمع علماؤه

على ضلالة، لا عَمْداً ولا خطأ، فلا يَجتمِعُ اثنانِ على توثيقِ ضعيف،

ولا على تضعيفِ ثقة، وإنما يقعُ اختلافُهم في مراتبِ القُوَّةِ أو مراتبِ

الضعف. والحَاكمُ منهم يَتكلَّمُ بحسبِ اجتهادِهِ وقُوَّةِ مَعارِفِه، فإن قُدِّرَ

خطؤه في نقده، فله أجرٌ واحد، والله الموفق.

وهذا فيما إذا تكلَّموا في نقدِ شيخٍ وَرَدَ شيءٌ في حِفظَه وغَلَطِه،

فإن كان كلامُهم فيه من جهةِ معتَقَدِه، فهو على مراتب:

فمنهم: من بِدْعَتُه غليظة.

ومنهم: من بِدْعَتُه دون ذلك.

ومنهم: الداعي إلى بدعتِه.

ومنهم: الكافُّ، وما بينَ ذلك.

فمتى جَمَع الغِلَظَ والدعوةَ تُجُنِّبَ الأخذُ عنه.

ومتى جِمِع الخِفَّةَ والكفَّ أَخذوا عنه وقَبِلُوه.

فالغِلَظُ كغُلاةِ الخوارج، والجهميةِ، والرافضةِ.

والخِفَّةُ كالتشيُّع والإِرجاء.

وأمَّا من استَحلَّ الكذبَ نَصْراً لِرَأْيِه كالخطَّابيَّة فبالأولى رَدُّ حديثهِ.

قال شيخنا ابنُ وَهْب: العقائدُ أَوجبَتْ تكفيرَ البعضِ للبعض، أو

التبديعَ، وأَوجبَتْ العَصَبِيَّةَ، ونشأ من ذلك الطعنُ بالتكفيرِ والتبديع،

وهو كثير في الطبقة المتوسِّطةِ من المتقدمين.

والذي تَقرَّرَ عندنا: أنه لا تُعتَبرُ المذاهبُ في الرواية، ولا نُكفِّرُ أهلَ

القِبلة، إلا بإنكارِ مُتواترٍ من الشريعة، فإذا اعتَبَرْنَا ذلك، وانضمَّ إليه

الورَعُ والضبطُ والتقوى فقد حَصَل مُعْتمَدُ الرواية. وهذا مذهبُ

الشافعي رضي الله عنه، حيث يقول: أَقبَلُ شهادةَ أهلِ الأهواءِ إلا

الخَطَّابيَّةَ من الرَّوَافِض.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير