ومنها حديث أبي ذر في صحيح مسلم أن النبي r قال: " قال الله تعالى: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماًَ فلا تظالموا ".
ولهذا نهى النبي r عن النجش وعن التصرية وعن أن يبيع المسلم على بيع أخيه المسلم وأن يشتري على شرائه وأن يسوم على سومه لما في ذلك من الظلم والاعتداء.
الضابط الرابع: منع الضرر:
الغرر في اللغة يطلق على معان منها: النقصان والخطر والتعرض للتهلكة والجهل.
وأما في الاصطلاح: فهو مالا يعرف حصوله أو لا يعرف حقيقته ومقداره، كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
وهذا الضابط باتفاق الأئمة وأنه لابد من منع الغرر في المعاملات، ويدل لهذا حديث أبي هريرة أن النبي r نهى عن بيع الغرر كما في صحيح مسلم.
وكذلك أيضاًَ من الأدلة عليه ما ورد من النهي عن بيع حَبَل الحَبَلة والمراد به بيع ولد ولد الناقة، وكذلك بيع المضامين والمراد بها ما في بطون النوق من الأجنة، وكذلك بيع الملاقيح وهي ما في أصلاب الفحول، فهذه كلها تدل لهذا الضابط وأنه يمنع الغرر في المعاملات.
وكذلك أيضاًَ النهي عن بيع الملامسة والمنابذة وبيع المعجوز عن تسليمه، هذا كله يدل على هذا الضابط.
اشترط العلماء للغرر المنهي عنه شروطاًَ وهي:
1 - أن يكون الغرر كثيراًَ غالباًَ على العقد، وعليه إذا كان الغرر يسيراًَ فإنه لا يمنع من صحة المعاملة والإجماع قائم على ذلك.
ومثَّل العلماء لهذا بدخول الحمام للإغتسال فإنه فيه شيء من الغرر، لأن الناس يختلفون في طول الإقامة وقصرها وفي استعمال الماء كثرة وقلة.
ومن ذلك أيضاًَ تأجير السيارة لمدة يوم أو يومين فالناس يختلفون في استعمالها قلة وكثرة وكيفية ... إلخ، فهذا فيه شيء من الغرر لكنه معفو عنه شرعاًَ لما كان يسيراًَ.
2 - ألا تدعو الحاجة إلى هذا الغرر حاجة عامة، وقد ذكر الجويني وغيره قاعدة في ذلك وهي: " أن الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة ". وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: والشارع لا يحرم ما يحتاج الناس إليه من البيع لأجل نوع من الغرر بل يبيح ما يحتاج إليه الناس من ذلك.
وقول العلماء: " الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة " لابد – إذا سلمت هذه القاعدة – من تحقق الحاجة وألا يكون هناك مخارج شرعية، فلابد من ضبط ذلك بتحقق الحاجة وأنه لا مناص من الوقوع في مثل هذا، فإذا عمَّت الحاجة فإنه كما ذكر الجويني وغيره من أهل العلم تنزل منزلة الضرورة.
ويدل لهذا حديث ابن عمر أن النبي r نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها فالنهي عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها قالوا: هذه حاجة عامة، فإنه يؤخذ من الحديث أنه إذا بدا الصلاح بحيث احمر البسر أو اصفر صح البيع، مع أن بعض أجزاء هذه الثمار لم تخلق وفي هذا شيء من الغرر، ومع ذلك أجازه الشارع لعموم الحاجة.
3 - أن يمكن التحرز من الغرر بلا حرج ولا مشقة، وهذا أيضاً بالإجماع فإن الغرر إذا لم يمكن التحرز منه إلا بوجود الحرج والمشقة فإنه معفو عنه.
ويمثِّل العلماء لذلك بأساسات الحيطان وما في بطون الحوامل فالإنسان يشتري البيت وهو لم يطَّلع على أساساته وقواعده وكيف تم بناؤها .. إلخ، وكذلك يشتري الحيوان الحامل وهو لا يعرف ما في بطن هذا الحيوان هل هو ذكر أم أنثى أو هو متعدد أو غير متعدد وهل هو حي أو ميت .. إلخ، فمثل هذا لا يمكن معرفته ولو أردنا أن نعرف مثل هذه الأشياء للزم من ذلك الحرج والمشقة.
وأيضاً من الأمثلة على ذلك ما تقدم في حديث ابن عمر أن النبي r رخَّص في شراء الثمار إذا بدا صلاحها مع أن آخر هذه الثمار غير معروف لأنه لم يخلق بعد ولا يعرف كيف يكون نضجها.
4 - أن يكون الغرر المنهي عنه في عقود المعاوضات، وهذا ما ذهب إليه الإمام مالك واختاره شيخ الإسلام.
وخرج من عقود المعاوضات ما يتعلق بعقود التبرعات فإنها عند الإمام مالك وشيخ الإسلام ابن تيمية لا يشترط فيها السلامة من الغرر.
الجمهور لا يفرقون بين عقود المعاوضات وعقود التبرعات، فلابد من السلامة والإجارة ونحو ذلك هذه يشترط فيه العلم والتحرير والسلامة من الغرر.
أيضاً يقولون: عقود التبرعات كالهبة والهدية والعطية والوقوف ونحوها في الجملة يقولون يشترط فبها السلامة من الغرر.
والجمهور يستدلون بحديث أبي هريرة أن النبي r نهى عن بيع الغرر.
¥