والمالكية وشيخ الإسلام ابن تيمية يستدلون بحديث عبد الله بن عمرو في قصة الرجل صاحب كبة الشعر فإنه أخذها من المغنم واستوهبها من النبي r فقال النبي r :" أم ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لك". أخرجه أحمد وأبو داود وغيرهما.
وعندنا الأصل في ذلك الصحة، كما سلف أن الأصل في المعاملات سواء كانت عقود معاوضات أو عقود تبرعات الصحة.
وأم الاستدلال بحديث أبي هريرة أن النَّبيّ r نهى عن بيع الغرر فهذا فيه نظر. فهناك فرق بين عقود المعاوضات وعقود التبرعات؛ عقود المعاوضات يدخل فيه الإنسان وهو يريد الكسب والتجارة فاشترط فيها من العلم والتحرير ما لا يشترط في عقد التبرعات، لأن عقود التبرعات لا يريد الإنسان فيه الكسب وإنما يريد الإرفاق والإحسان.
وعلى هذا تترتب مسائل كثيرة يذكرها العلماء:
مثلاً: هبة المجهول: لو أن الإنسان وهب سيارة مجهولة أو ما في جيبه فقال: وهبت لك ما في جيبي من الدراهم، فهل يشترط أن تكون الهبة معلومة أو لا يشترط؟ نقول: لا يشترط أن تكون الهبة معلومة على الصحيح.
كذلك لو أنه وهب شيئاً له مسروقاً أو مغصوباً أو منتهباً فنقول: هذه هبة صحيحة، وعند جمهور أهل العلم أنها ليست صحيحة لأنهم يلحقون عقود التبرعات بعقود المعاوضات وأنه لابد من القدرة على التسليم.
كذلك أيضاً لو وهب شيئاً ضائعاً له أو رقيقاً آبقاً أو نحو ذلك فالجمهور أن ذلك لا يصح وعند المالكية واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية أنه صحيح، وبهذا نعرف أن عقود التبرعات أوسع من عقود المعاوضات، فإنه لا يشترط في عقود التبرعات ما يشترط في عقود المعاوضات من العلم والتحرير …إلخ.
فالصواب في هذه المسألة ما ذهب إليه الإمام مالك واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، مع أنه - كما ذكرت – هذا رأي الجمهور في الجملة فهم لا يطردون المسألة فتجد أنهم يفرقون بين باب الوصايا وبين باب الهبة والعطية، فهم يجيزون الوصية المجهولة لكن لا يجيزون الهبة المجهولة، وهذا مما يدل على ترجح ما ذهب إليه الإمام مالك وأنه من شروط الغرر المنهي عنه أن يكون في عقود المعاوضات أما عقود التبرعات فإن هذا ليس شرطاً منهياً عنه.
الضابط الخامس: منع الربا:
والربا في اللغة يطلق على معانٍ منها الزيادة.
وأما في الاصطلاح فهو: تفاضل في أشياء ونسأ في أشياء مختص بأشياء، وهذا التعريف فيه شيء من الإجمال لكن عند معرفة قسمي الربا يتضح شيء من إجمال هذا التعريف.
فالربا ينقسم إلى قسمين:
1 - ربا الفضل.
2 - ربا النسيئة.
هذان القسمان هما المشهوران عند العلماء وهناك من يقسم غير هذا التقسيم.
أولاً: ربا الفضل:
الفضل في اللغة: الزيادة.
وأما في الاصطلاح: فهو الزيادة في أحد الربويين المتحدي الجنس الحالين.
ومثاله: عشرون غرماً من الذهب بخمسة عشر، فالذهب ربوي فإذا بادلت هذا الذهب بمثله مع الزيادة فقد وقعت في ربا الفضل ما دام أنهما حالان.
وأما عشرون بخمسة عشر مؤجلة فهذا ربا فضل ونسيئة.
ولابد هنا من معرفة ما هو المال الربوي؟
هذا موضع خلاف بين أهل العلم يطول ذكره، لكن الخلاصة في ذلك على المشهور من مذهب الإمام أحمد: أن الربوي هو كل كيل أو موزون، فإذا عبَّروا بالربوي ونحوه فالمقصود عندهم: المكيل كالبر والشعير والتمر والأرز والدخن والموزون كالحديد والنحاس والصُفر والشعر والصوف والوبر، فعندما تبادل ربوي بجنسه لابد من شرطين:
1 - الحلول والتقابض.
2 - التماثل.
هذا ما ذهب إليه الحنابلة وهو أيضاًَ قول الحنفية.
الرأي الثاني: أن ضابط الربوي: أنه كل ما كان ثمناًَ للأشياء وكل مكيل أو موزون مطعوم، وهذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية وهو أقرب.
فما كان ثمناًَ للأشياء كالدراهم وهذه النقود فهذه أثمان للأشياء فنقول: هي ربوية وكذلك المطعومات الموزونة والمطعومات المكيلة ربوية وما عدا ذلك فليس ربوياًَ كالكتب والأقلام والثياب والأخشاب والسيارات والمعدات، فهذه ليست ربوية لأنها ليست مطعومة. وعليه لو بادلت سيارة بسيارتين أو قلماًَ بقلمين أو ثوباًَ بثوبين فإن هذا جائز ولا بأس به.
ثانياًَ: ربا النسيئة:
¥