6 - إن جمله الأنبياء والمرسلين - عليهم الصلاة والسلام - من أولهم إلى آخرهم كانوا قدوة حسنة لأقوامهم، وهذا يدل على عِظم وأهمية القدوة الحسنة، ولهذا قال شعيب - عليه السلام - لقومه: ((قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) [هود/88])).
7 - إن الناس كما ينظرون إلى الداعية في أعماله وتصرفاته ينظرون إلى أسرته وأهل بيته، وإلى مدى تطبيقهم لما يقول، وهذا يفيد ويبين أن الداعية كما يجب عليه أن يكون قدوة في نفسه يجب عليه أن يقوم أهل بيته وأسرته ويلزمهم بما يأمر به الناس، ويدعوهم إليه، فعَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: حدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ سَالِمًا، قَالَ: كَانَ عُمَرُ إذَا نَهَى النَّاسَ عَنْ شَيْءٍ جَمَعَ أَهْلَ بَيْتِهِ، فَقَالَ: إنِّي نَهَيْت النَّاسَ عَنْ كَذَا وَكَذَا، وَإنَّ النَّاسَ لَيَنْظُرُونَ إلَيْكُمْ نَظَرَ الطَّيْرِ إلَى اللَّحْمِ، وَايْمُ اللهِ لاَ أَجِدُ أَحَدًا مِنْكُمْ فَعَلَهُ إلاَّ أَضْعَفْتُ لَهُ الْعُقُوبَةَ ضِعْفَيْنِ. مصنف ابن أبي شيبة (ج 11 / ص 125) (31285) هكذا ومصنف عبد الرزاق (20714) موصولا وهو صحيح.
فالقدوة الحسنة هو الذي يطابق قوله فعله، وحاله مقاله، ذلك لأن الدعوة إلى الله تعالى تحتاج إلى أناس صادقين، كما قال تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23)} [الأحزاب/23]
وتحتاج إلى رجال يقولون ويفعلون، وقد ذمَّ الله تعالى من يقول ولا يفعل حيث قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)} [الصف/2 - 3]
وقد اقتدى الناس بالأنبياء والمرسلين، لأنهم كانوا صادقين مع الله ومع الناس، وثبتوا حتى النهاية، قال تعالى عنهم: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) وَمِنْ آَبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87) ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88) أُولَئِكَ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89) أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90)} [الأنعام/83 - 90]
وأفضل هؤلاء بلا منازع سيد الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم، قال تعالى عنه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)} [الأحزاب/21]
فهو قدوتنا في كل شيء، من تمسك بغرزه نجا، ومن تركه هلك.
فلا بد من القدوة في البيت، وفي الطريق، وفي العمل، وفي جميع شئون الحياة، حتى تؤتي الدعوة أكلها، وتينع ثمارها، فالكلام إذا خرج من القلب دخل في القلب، وإذا خرج من اللسان لم يتجاوز الآذان.
وانظروا يا رعاكم الله إلى القدوة السيئة وأثرها في هلاك المجتمعات، قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (96) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (99) [هود/96 - 99]
وفي هذا الكتاب مجموعة طيبة من البحوث المقالات العلمية حول أهمية القدوة الحسنة وأثرها وشروطها، ومجالاتها المنوعة، جمعتها من مواقع شتى، ولاسيما من موقع المختار الإسلامي، وصيد الفوائد، والإسلام اليوم،والشبكة الإسلامية، وغيرها، وهي معزوة لمصادرها في بدايتها أو نهايتها، وتركتها كما هي.
سائلا المولى جلَّ وعلا أن تكون دافعاً لنا، لأن نكون قدوة حسنة لغيرنا.
قال الشاعر:
يا أيها الرجل المعلم غيره ... هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى. كيما يصح به وأنت سقيم
ونراك تصلح بالرشاد عقولنا ... أبدا وأنت من الرشاد عديم
فابدأ بنفسك فانهها عن غيها ... فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يقبل ما تقول ويهتدى ... بالقول منك وينفع التعليم
لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم
هذا وأسأل الله تعالى أن ينفع به كاتبه وناشره وقارئه والدال عليه في الدارين.
جمعه وأعده
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
في 5 شوال 1429 هـ الموافق ل 5/ 10/2008م
- - - - - - - - - - - - - - -
¥