تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وعلى الرّغم ِ من المكانةِ العُليا التي تبوأها هذا الكتابُ، والجهدِ الضخم ِ الذي بذلهُ مؤلّفهُ فيهِ، إلا أنّهُ قد اشتملَ على مجموعةٍ من الهفواتِ، منها ما هو منهجيٌّ، ومنها ما هو أخطاءٌ وأوهامٌ.

أمّا المنهجيُّ منها، فإنَّ الزركليَّ في كتابهِ قصدَ إلى الموضوعيّةِ المُجرّدةِ في التراجم ِ، وإذا ترجمَ لشخص ٍ ما فإنّهُ لا يذكرُ ما يؤخذ ُ عليهِ، أو أقوالَ النقّادِ والمؤرخينَ فيهِ، أو أن يذكرَ رأيهُ هو في ذلكَ، بل يُترجمُ لهُ ذاكراً ولادتهُ ووفاتهُ وأهمَّ ما جرى في حياتهِ من أحداثٍ، ثُمَّ يختمُ ذلكَ بذكر ِ ما ألّفهُ من كتبٍ مع الإشارةِ إلى ما طُبعَ منها، وإن كانَ مخطوطاً ذكرَ ذلكَ، ويعتني غالباً بإيرادِ خطِّ المُترجم ِ لهُ أو صورةٍ لهُ، ويُعرضُ عمّا سوى ذلكَ من الحُكم ِ النقديِّ على الشخص ِ، أو التعرّض ِ لهُ بحكمهِ الخاصِّ.

وهذا المنهجُ هو منهجُ بعض ِ المؤلّفينَ في التراجم ِ والتأريخ ِ، فهم يُترجمونَ أو يؤرخونَ بقصدِ التوثيق ِ البحتِ، مُعرضينَ عن ذكر ِ آراءهم الشخصيّةِ أو أحكامهم الخاصّةِ، ويتركونَ ذلكَ للقارئِ والباحثِ، ومن الذين سلكوا هذا النهجَ واقتفوهُ في تصانيفهم: ابنُ خلّكان ٍ، وابنُ الأثير ِ، ومن المُعاصرينَ: الزركليُّ، والطناحيُّ - رحمَ اللهُ أربعتهم -.

وقد لخّصَ الشيخُ بكرُ أبو زيدٍ – متّعهُ اللهُ بالعافيةِ – ما يُنتقدُ على كتابِ الأعلام ِ بقولهِ: " أصبحَ كِتابُ الأعلام ِ للزركليِّ مرجعاً مُهمّاً للباحثينَ والرّاغبينَ في التعرّفِ على التراجم ِ، وهو مع معاناةِ مؤلّفهِ الدقّة َ والإتقانَ يردُ عليهِ أمران ِ: الأوّلُ: أنَّ الزركليَّ لم يُترجمْ لأحدٍ من أساطين ِ الدولةِ العُثمانيّةِ، فهل هذه نزعة ٌ قوميّة ٌ عربيّة ٌ أم ماذا؟، الثاني: فيهِ مجموعة ٌ من الأوهام ِ والأغاليطِ " – النظائرُ 64 - .

وقول ِ الشيخ ِ: " فهل هي نزعة ٌ قوميّة ٌ أم ماذا؟ " فيهِ احتمالٌ لذلكَ، وقد كانَ الزركليُّ ذا نفَس ٍ قوميٍّ مُتقدٍ، إلا أنّني – والعلمُ عندَ اللهِ – أرجّحُ أنَّ سببَ إعراض ِ الزركليِّ عن الترجمةِ لسلاطين ِ العثمانيينَ هو تسلّطهم عليهِ بالأذيةِ، ومُصادرةِ مطبوعتهِ: " مجلةِ الأصمعيِّ " وذلكَ بسببِ نشر ِ لصورةٍ كتبَ تحتها: صورة ُ الخليفةِ العربي المأمون ِ – الأعلامُ 8/ 267 - .

وكلامُ الشيخ ِ يلخّصُ ما احتواهُ الكتابُ من مؤاخذاتٍ، فما ذكرهُ بخصوص ِ الدولةِ العُثمانيّة ُ يُعتبرُ من الخطأ المنهجيِّ، وهو الذي يُعرضُ فيهِ صاحبهُ عن ذكر ِ ما يلزمهُ ذكرهُ، أو أن يذكرَ ما ليسَ على شرطهِ ومنهجهِ، سواءً كانَ ذلكَ قصوراً منهُ في البحثِ، أو عن قصدٍ وتعمّدٍ، وكلا هذين الأمرين ِ وقعا للزركليِّ – غفرَ اللهُ لهُ -، فقد أعرضَ عن ذكر ِ تراجم ِ السلاطين ِ العُثمانيينَ عامداً مُتعمّداً، كما أنّهُ لم يذكرْ تراجمَ آخرينَ مشاهيرَ ذكرتهم كّتبُ التراجم ِ وطفحتْ بأخبارهم، من أمثال ِ: ابن ِ خلّكان ٍ، فقد استفادَ من كتابهِ كثيراً وكانَ أحدَ مواردهِ، ومع ذلكَ أخلاهُ من الترجمةِ لهُ؟.

وإن كانَ الزركليُّ – رحمهُ اللهُ – قصدَ إلى الموضوعيّةِ في كتابهِ، مُغفلاً رأيهُ الشخصيَّ، فلمَ عدلَ عن ترجمةِ العُثمانيينَ؟، معَ أنّهُ ترجمَ لأناس ٍ من الأغمار ِ الذين لا يُعرفونَ، وهذه الموضوعيّة ُ تهاوتْ مِراراً في التراجم ِ التي يكونُ أصحابُها قوميينَ أو جرتْ عليهم من المحن ِ ما جرتْ، فلا يتوانَ الزركليُّ – عفا اللهُ عنهُ – في وصفِ نكبتهم وخلع ِ لقبِ الشهادةِ عليهم!، كما في ترجمةِ محمود جلال من الأعلام ِ 2/ 132 حيثُ وصفهُ بأنّهُ شهيدٌ لأنّهُ ثارَ على التركِ وأعدموهُ، وفي المُقابل ِ لا نجدهُ ذكرَ ذاتَ الوصفِ في شخصيّاتٍ أخرى قُتلتْ أو أعدمتْ، في حالاتٍ مُشابهةٍ!.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير