وقد أخذ القرارُ عن الإرهابِ نصيب الأسد، من تلك الدورةِ.
ومن ضمن القراراتِ المهمةِ للمجمعِ الفقهي الإسلامي في تلك الدورةِ، والتي لم تكنْ بذاتِ أهميةٍ بسبب أن القرارَ الذي أخذ نصيباً كبيراً هو ما سبق والمتعلق بـ " الإرهاب "، قرارٌ يهمُ شريحة كبيرة من الناسِ ممن لهم اهتمامٌ بالتعاملِ مع المصارفِ في مسألةِ " التورق "، وعنوانُ القرارِ:
التورقُ كما تجريهِ بعضُ المصارفِ في الوقتِ الحاضرِ
والمقصودُ بالمصارفِ هي التي فتحت فرعاً إسلامياً داخل البنكِ الربوي، فيدخلُ الداخل إلى البنكِ الربوي والإسلامي من بابٍ واحدٍ، كما تصبُ اموالُ الربوي والإسلامي لذلك البنكِ في خزينةٍ واحدةٍ.
وقد انتشرت في هذه المصارفِ معاملةٌ يطلقُ عليها " التورق "، وهي أيضاً يطلقُ عليها " التورق المصرفي "، وفرقٌ بين " التورق " الفقهي الذي أجازه جمهورُ أهلِ العلمِ، وبين " التورق المصرفي " الذي أشار إليه قرارُ المجمعِ الفقهي الإسلامي.
والفرقُ بين التورقِ الفقهي الجائزِ والتورقِ المصرفي أن التورقَ الفقهي يحققُ حاجةَ السيولةِ النقديةِ للمتورقِ، وهي حاجةٌ جائزةٌ كما ذهب لذلك الأغلبية، ولكن البنك في التورق المصرفي إنما يدخل في تيسيير عملية التورق فقط بحاجة تنمية أمواله فهو يريد أن يحقق عوائد على رأسماله وشراؤه للسلعة نقدا لكي يبيعها بالأجلِ.
إن البنكَ في عملياتِ المرابحةِ إنما يحققُ مقصداً شرعياً مقبولاً وهو التيسيرُ على العملاءِ للحصولِ على السلعِ التي لا يستطيعون دفع ثمنها نقدا، فيشتريها ويبيعها لهم بالمرابحةِ ويحققِ أرباحاً مشروعةً من هذا التداول المفيد للسلع، أما مقصدُ البنكِ في عملياتِ التورقِ فهو ليس التوسط الاستثماري لمساعدةِ العملاءِ في الحصولِ على السلعِ وإنما مقصدهُ الأساسي هو توفيرُ السيولةُ النقديةُ لهم وتحقيقُ المكاسبِ من خلالِ ذلك، فشتان بين هذا المقصد وذاك. عميل البنك المشتري بالمرابحة من حقه أن يبيع السلعة إذا احتاج للنقد، وهذا هو التورق الفقهي أو الفردي المشروع، أما أن يتدخل البنك ليتاجر بحاجة الناس للسيولة ويحقق عوائد له عبر آليات شكلية وهمية فهذا هو الذي يكون محل نظر.
وقد أصدر المجمعُ الفقهي الإسلامي قراراً سابقاً بجوازِ بيعِ التورقِ ونصه:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لانبي بعده، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته الخامسة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة التي بدأت يوم السبت 11 رجب 1419 هـ الموافق 31/ 10 / 1998 م قد نظر في موضوع حكم بيع التورُّق.
وبعد التداول والمناقشة، والرجوع إلى الأدلة، والقواعد الشرعية، وكلام العلماء في هذه المسألة قرر المجلس مايأتي:
أولاً: أن بيع التورُّق: هو شراء سلعة في حوزة البائع وملكه، بثمن مؤجل، ثم يبيعها المشتري بنقد لغير البائع، للحصول على النقد (الورق).
ثانياً: أن بيع التورق هذا جائز شرعاً، وبه قال جمهور العلماء، لأن الأصل في البيوع الإباحة، لقول الله تعالى: " وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا " [البقرة: 275] ولم يظهر في هذا البيع رباً لاقصداً ولا صورة، ولأن الحاجة داعية إلى ذلك لقضاء دين، أو زواج أو غيرهما.
ثالثاً: جواز هذا البيع مشروط، بأن لايبيع المشتري السلعة بثمن أقل مما اشتراها به على بائعها الأول، لا مبارشة ولا بالواسطة، فإن فعل فقد وقعا في بيع العينة، المحرم شرعاً، لاشتماله على حيلة الربا فصار عقداً محرماً.
رابعاً: إن المجلس: - وهو يقرر ذلك - يوصي المسلمين بالعمل بما شرعه الله سبحانه لعباده من القرض الحسن من طيب أموالهم، طيبة به نفوسهم، ابتغاء مرضاة الله، لايتبعه منّ ولا أذى وهو من أجل أنواع الإنفاق في سبيل الله تعالى، لما فيه من التعاون والتعاطف، والتراحم بين المسلمين، وتفريج كرباتهم، وسد حاجاتهم، وإنقاذهم من الإثقال بالديون، والوقوع في المعاملات المحرمة، وأن النصوص الشرعية في ثواب الإقراض الحسن، والحث عليه كثيرة لاتخفى كما يتعين على المستقرض التحلي بالوفاء، وحسن القضاء وعدم المماطلة.
¥