[حمل: تحقيق معنى السنة وبيان الحاجة إليها]
ـ[الاستاذ]ــــــــ[10 - 06 - 05, 07:24 ص]ـ
بحث لفضيلة الشيخ سليمان الندوي الهندي رحمه الله
تحقيق معنى السنة وبيان الحاجة إليها
ترجمة مقال للعلامة السيد سليمان الندوي الهندي
(كلمة للمترجم) من المصائب التي ابتلي بها المسلمون في هذا العصر
انتشار فرقة دعواها أن قانون الإسلام هو (القرآن وحده) وأن السنة إنما كانت
أحكامًا مؤقتة لأهل عصر النبي عليه السلام، والآن أصبحت عديمة الجدوى، فهي
تنكر الاحتجاج والعمل بالحديث مهما بلغت درجته من الصحة والشهرة والقبول عند
علماء المسلمين، وهذه الطائفة توجد في سائر الممالك الإسلامية؛ ولكنها في الهند
أخذت شكلاً منظمًا وسمت نفسها (أهل القرآن) وألفت كتبًا ورسائل كثيرة، ولا
زالت تنشر المقالات في المجلات الهندية، وقد رد عليها علماء الهند أحسن رد
جزاهم الله خيرًا، ومنهم حضرة الأستاذ السيد سليمان الندوي؛ فإنه كتب مقالة
نفيسة في مجلته الشهيرة (معارف) الهندية في الرد على هؤلاء بكلام معقول،
فأحببت ترجمتها بتصرف يسير لعل الله ينفع بها من لا يمكنه الاطلاع على أصلها،
والله الموفق.
المترجم
عبد الوهاب بن عبد الجبار الدهلوي
بمكة المكرمة
قال الأستاذ حفظه الله:
تمهيد:
يسرنا ويسوءنا معًا حال بعض شباننا المتعلمين، يسرنا أنهم وجهوا قسطًا من
عنايتهم إلى البحث عن المسائل الدينية ولم يعتبروا ذلك تضييعًا لأوقاتهم، ولم يعدوا
الدين شيئًا عبثًا لا يستحق العناية والاهتمام، فمن هذه الجهة يستحقون المدح
والشكر، ويسوءنا أنهم ينشرون آراءهم ونتيجة أبحاثهم ويدعون المسلمين إليها قبل
التحقيق التام وعرضها على العلماء الأعلام، وهذا يؤدي إلى إضلال كثير من
العوام.
وإشاعة الحق - وإن كانت واجبة - يجب على من يقوم بها أن يتثبت ويتحقق
أولاً كون ذلك الشيء حقًّا، ثم يسعى في نشره وإلا كان إثمه أكبر من نفعه.
هؤلاء الشبان يدّعون أنهم قادرون على استنباط كل شيء من القرآن الشريف
بدون رجوع إلى بيان صاحب الرسالة الذي أُنزل عليه القرآن، فتراهم يُكثرون من
ذكر المسائل العجيبة التي استنبطوها بزعمهم من القرآن، ويردون كل ما ثبت
بالسنة ولم يجدوه في القرآن، ومن الغريب أن كثيرًا من الأحكام التي يردونها نجد
أصلها موجودًا في القرآن عند إمعان النظر، وأغرب من ذلك تناقضهم واختلافهم
في ما يستنبطون من القرآن، فكل واحد منهم مستقل بنفسه مخالف للآخر.
كيف نفهم القرآن:
قد كتبت مرارًا أن البحث في هذه المسائل الجزئية - التي يستنبطونها والتي
يردونها - لا تجدي نفعًا، بل يجب أن نبحث في المسائل العامة، والقواعد الكلية
التي تشمل هذه الجزئيات كلها، فأول ما يجب تمحيصه من هذه المسائل هو: كيف
نفهم القرآن؟ أو بعبارة أعم من هذه: كيف نفهم مراد القائل من كلامه؟ لا يخفى
أن علم أصول الفقه جُل مباحثه تدور حول هذه المسألة، أعني طريقة فهم معنى
الكلام والاستنباط منه.
مثلاً إذا وردت في القرآن الكريم كلمة لها معاني متعددة عند العرب، أو كلمة لها
معنى حقيقي ومعنى مجازي، فكيف نعين المعنى المراد بتلك الكلمة؟ أو ورد لفظ
عام، فكيف نعلم أن المقصود منه جميع أفراده أو بعضه؟ أو ورد حكم مطلق، فكيف
نعرف هل هو باق على إطلاقه أم استثني منه شيء؟ [1] إلى غير ذلك من المسائل.
وهناك أمر آخر، وهو أن المعاني المفهومة من الكلام على أنواع، فمنها ما
يُفهم من ألفاظه صراحة، ومنها ما يُفهم منه بطريق الإشارة والكناية، ومنها ما يُفهم
من سياق الكلام، فلا يقال لشيء منها: إن هذا الكلام لا يشمله، فكذلك الأمر في
القرآن، أعني إذا كان الشيء غير مذكور فيه صراحة؛ ولكنه يُفهم من سياقه أو
إشاراته فلا يقال: إنه ليس في القرآن مطلقًا.
النبي كان مأمورًا بتبيين القرآن:
قال الله تعالى مخاطبًا لنبيه عليه السلام: ? وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا
نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ? (النحل: 44) فلأجل هذا كان الصحابة يرجعون
إليه في فهم كل ما أُشكل عليهم فهمه أو استنباطه من القرآن، ويستفتونه فيما يقع
لهم من الحوادث، فيبين لهم النبي عليه السلام ما أُشكل عليهم ويعلمهم ما خفي
¥