تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الواقع المعاصر للمعاملات المالية يتسم بالولوغ في الربا، فلم يقتصر الأمر على الربا الصريح الذي تمارسه البنوك التجارية وغيرها من المؤسسات المالية، ولكن الأمر تعدى ذلك إلى توسيع نطاق الربا تحت مسمى المعاملات الإسلامية. فدخل التعامل الربوي حياة فئات كثيرة من الناس كانت تتحرج من الاقتراض والإقراض الربوي، ولكن وقعوا فيه من خلال ما تم طرحه من فتاوى صادرة من اللجان الشرعية لهذه البنوك تجيز الحصول على المال منها، حيث تتسم تلك الفتاوى بانتهاج أسلوب البحث عن مخارج شرعية لتحليل الربا بإضفاء صيغة البيع على الاقتراض والإقراض الربوي.

وظهرت مسمّيات تزعم بأنها معاملات متوافقة مع الشريعة الإسلامية، وذلك بالاتكاء على الفتاوى الصادرة من اللجان الشرعية لتلك البنوك، وأصبح يُطلق على كثير من عمليات التحايل على التمويل الربوي مسميات مضللة؛ مثل «التورق المبارك»، و «التمويل المبارك»، و «تمويل الخير»، و «التيسير»، و «تورق الخير» و «برنامج أتقى وأنقى»، كبديل لما يعرف في البنوك التجارية بالودائع الآجلة، وكل هذه البرامج من الإقراض والاقتراض تحت تلك المسميات ما هي إلا أكل للربا وتأكيله.

ولقد تحقق ما أشار إليه الرسول الكريم محمد عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم والبيهقي عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ليأتين على الناس زمان لا يبقى منهم أحد إلا أكل الربا، فإن لم يأكله أصابه من غباره)، وفي رواية لأحمد عن أبي هريرة قال: (يأتي على الناس زمان يأكلون فيه الربا فمن لم يأكله ناله من غباره)، وقد ورد في هذا المعنى حديث رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال؛ أم من حلال أم من حرام).

هذه الظاهرة بدأت في التجذر والاتساع في المعاملات المصرفية لتوسيع نطاق الربا باستخدام ما يعرف في الفقه الإسلامي بصيغة «التورق» في شراء السلع وبيعها، وإدخالها في جميع المعاملات المصرفية ذات الطابع الإقراضي والاقتراضي باعتباره مخرجاً من الربا، سواء فيما يتعلق بتمويل الأفراد والمؤسسات، أو بإعطاء الفائدة للمودعين فيما يُعرف في المصطلح البنكي بالفائدة على الودائع لأجل، واستُخدمت صيغة التورق أداة ومخرجاً للإقراض والاقتراض من قِبَل المصارف، ولهذا فإن من الواجب الشرعي مناقشة حقيقة هذه الصيغة وما ينتج عنها من عقود يتم التعامل بها من قِبَل البنوك التجارية؛ بدارسة كيفية منحها التمويل من خلال بيع المرابحة باستخدام صيغة التورق كحيلة لاستحلال الربا، وهذا ما سنعرضه من خلال الجوانب الآتية:

أولاً: الحيل الفقهية وتعارضها مع مقاصد الشريعة.

ثانياً: بيع التورق وعلاقته بالحيل الفقهية.

ثالثاً: ماهية الربا وحقيقته.

رابعاً: عقود التورق كما تُمارس من قِبَل البنوك.

خامساً: ربوية صيغة التورق كما تتم في البنوك.

? أولاً: الحيل الفقهية وتعارضها مع مقاصد الشريعة:

الحيل الفقهية أسلوب من الأساليب التي تُتبع؛ إما للوصول إلى ما حرّمه الله تحت غطاء الشرع، وإما للبحث عن مخارج تحل بعض القضايا التي قد تتعارض في ظاهرها مع القواعد والعلل التي يستند إليها الفقهاء في تحديد الحكم الشرعي لأي قضية من القضايا.

المعنى اللغوي للحيل ـ والتي مفردها حيلة ـ: عرفت في المعجم الوسيط بـ (تحيل كان حاذقاً جيد النظر قديراً على دقة التعرف في الأمور) (1)، وقد استعرض صاحب كتاب الحيل الفقهية في المعاملات المالية المفهوم الخاص بالحيل، ووصل في تحليله لمفهوم الحيل إلى القول (بأن الحيلة تطلق ويراد بها عدة معان، فيراد بها التحول والانتقال من حالة إلى أخرى ومن شيء إلى آخر، أو بمعنى الحيلولة والحجز بين الشيئين أو الإنسان والشيء، أو بمعنى عدم الحمل بالنسبة لكل أنثى، وبمعنى طلب الحيلة؛ أي الاحتيال، وبمعنى الصفة) (2).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير