وهذا المفهوم هو المتعارف عليه في العمل المصرفي، فالسلعة التي يتعامل بها البنك هي النقد، فهو يتجر في النقد، وبالتالي فإن النقد هو السلعة بدلاً من أن تكون مقياساً لأقيام السلع فيما بينها، فأصبح سلعة بذاته، فخرج النقد عن الوظيفة التي من أجلها تم قبوله بين الناس، ولهذا فإن وحدات النقد التي تضاف إلى نفس النقد إنما تتحدد بنسبة من هذه الوحدات مربوطة بالزمن الذي يبقى في ذمة المقترض، وبالتالي فإن مكونات الربا تتمثل في ثلاثة عناصر، هي زيادة على كمية النقد المقدم، وهذه الزيادة تحدد بالمدة، وهذه النسبة من الزيادة شرط في المعاملة، وبالتالي فأي تعامل تتوافر فيه هذه الصفات؛ فهو في حقيقته تعامل ربوي حتى لو سمّي بغير ذلك.
وقد أشار الإمام محمد بن رشد القرطبي في كتابه (بداية المجتهد) إلى أن أصول الربا خمسة، هي:
أنظرني أزدك، والتفاضل، والنسأ، وضع وتعجل، وبيع الطعام قبل قبضه.
وعندما ناقش موضوع ضع وتعجل، أشار إلى حجة من لم يجز ضع وتعجل، والتي تؤكد حقيقة الربا، بقوله: (وعمدة من لم يجز «ضع وتعجل» أنه نسيئة بالزيادة مع النظرة المجتمع على تحريمها، ووجه شبهه أنه هل للزمان مقدار من الثمن بدلاً منه في الموضعين جميعاً، وذلك أنه هنالك لما زاد له في الزمان زاد له عرضه ثمناً، وهنا لما حط عنه الزمان حط عنه في مقابلته ثمناً) (3). والشاهد من هذا أن الربا يرتبط بالزمن، فالقيمة المضافة على رأس المال ابتداء أو بعد انتهاء مدة القرض مربوطة بالزمن، فالزمن هو مقياس تحديد قيمة النقد باعتباره سلعة يتم بيعها وشراؤها، وهذا هو حقيقة الربا، وسوف نلاحظ عند مناقشة صيغ عقود التورق التي تجريها البنوك لاستحلال أخذ الربا ومنحه؛ أن تلك العقود ما هي إلا وسيلة لأخذ الربا وأكله.
? رابعاً: عقود التورق كما تُمارس من قِبَل البنوك:
الصيغ التي تتبعها البنوك لتوفير المال للمحتاجين إليه من الأفراد والشركات والمؤسسات، أو لجذب المال لها كبديل للودائع الآجلة التي تمنح عليها فوائد وفق ما يطلق عليه الصيغة الإسلامية للتعامل؛ تفاوتت فيها المسميات التي أطلقتها تلك البنوك مثل «تيسير الأهلي»، و «تورق الخير»، و «برنامج نقاء»، و «التورق المبارك» .. وغير ذلك من أساليب الدعاية التي تضلل المتلقي لهذه الإعلانات بما توجهه له من أن ما يتم ممارسته لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية. وأن صيغة العمل والمرتكز الذي تدور عليه عملية التمويل واحدة، وهو ما أطلق عليه صيغة التورق، والتي تأخذ شكلية شراء السلع وبيعها من خلال بورصة البضائع العالمية، أو من خلال الاتفاقيات مع عدد من نقاط البيع بالنسبة لما يطلق عليه بطاقة الخير الائتمانية وشبيهاتها من بطاقات الائتمان.
لقد تم التوسع باستخدام صيغة بيع التورق من قِبَل مختلف البنوك، حيث يوفر لها وسيلة جذب لإغراق الناس في الاقتراض والإقراض، وهذا يستدعي مناقشة العقود التي أمكنني الاطلاع على بعضها حتى يمكن التعرف على كيفية التعامل مع صيغة التورق التي تمارس من قِبَل هذه البنوك؛ حتى نتمكن من الحكم على مدى حرمة هذا التعامل، وسيتم مناقشة عقد التورق من جانبين:
الأول: جانب أن يكون البائع للسلعة هو البنك؛ أي أن البنك يقوم بتوفير السيولة النقدية من خلال صيغة التورق تحت مسمى عقد بيع بالتقسيط وبيع المرابحة.
والثاني: أن يكون البائع هو المودع الذي يرغب في إيداع أمواله في البنك وأخذ فوائد عليها، واستخدام صيغة التورق لأخذ الفائدة على المال المودع لأجل.
وفي كلا الحالتين فما يُتبع هو استخدام صيغة التورق من خلال شكلية بيع المرابحة بالأجل لسداد الثمن للبائع سواء للبنك أو للمودع لدى البنك.
أما في حالة قيام البنك بتوفير السيولة للمقترض من خلال بيع المرابحة المقسط ضمن صيغة التورق؛ فإن الإجراءات التي يتم اتباعها لتنفيذ هذه الصيغة من البيع تتمثل في الآتي:
¥