تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والتورق صورة من صور بيوع العينة، فبيع العينة كما عرّفه الفيومي في المصباح بقوله: (العينة بالكسر السلف، واعنان الرجل اشترى الشيء بالشيء بنسيئة، والاسم العينة بالكسر، وفسّرها الفقهاء بأنها بيع الرجل متاعه إلى أجل ثم يشتريه في المجلس بثمن حال ليسلم له، وقيل لهذه البيع عينة؛ لأن مشتري السلعة إلى أجل يأخذ بدلها عيناً؛ أي نقداً حاضراً) (5)، وقد عرف الإمام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ العينة بقوله: (العينة في الأصل السلف، والسلف يتم بتعجيل الثمن وتعجيل المثمن وهو الغالب هنا، يقال اعنان الرجل وتعين إذا اشترى الشيء بنسيئة، كأنها مأخوذة من العين (الدنانير والدراهم) وهو المعجل، وصيغت على «فعلة» لأنها نوع من ذلك، وقال أبو إسحاق الجوزجاني: إنها من العين؛ لحاجة الرجل إلى العين من الذهب والورق) (6).

وهذا التعريف للعينة، والتي قد أجمع علماء المسلمين على تحريمها، ينطبق على بيع التورق، حيث إن القصد من بيع التورق هو الحصول على النقد، فيتم شراء سلعة مؤجلة السداد لبيعها بقصد الحصول على النقد، والإمام أحمد ـ رحمه الله ـ عندما أجاز التورق في إحدى روايتيه إنما أجازه مع الكراهة، يقول ابن القيم: (وعن أحمد فيه (التورق) روايتان الحرمة والكراهة)، وأشار في رواية الكراهة إلى أنه (المتعامل في التورق) مضطر. وبالتالي فإن للاضطرار أحكامه، فليس كل من رغب في المال لشراء ما تشتهيه نفسه أو يتوسع في تجارته يعتبر مضطراً، فيتم التعامل بصيغة التورق ليصبح الأمر حلالاً صرفاً، كما يتم الإعلان عنه في الصحف من قِبَل البنوك التي تدعو الناس إلى الاقتراض بأسلوب صيغة التورق، مع عدم الالتزام بقواعد التعامل في التورق وفق ما تمت إجازته من قِبَل أعضاء مجلس مجمع الفقه الإسلامي، حيث اشترط التملك والحيازة لبائع السلعة لمشتريها من البنك، فهذا الشرط مفقود في التعامل الذي تمارسه البنوك كما سوف نناقشه لاحقاً.

? ثالثاً: ماهية الربا وحقيقته:

لإدراك علاقة بيع التورق بالربا المعاصر، وأنه وسيلة من وسائل استحلال الربا؛ فإن من الضروري تحديد ماهية الربا وحقيقته؛ حتى يمكن فهم حقيقة اندفاع البنوك لتبني هذا النوع من حيل لاستحلال الربا، وإشاعته، وتيسير أكله وتأكيله ضمن غطاء الإباحة الشرعية، وأنه تعامل تجيزه الشريعة وفق ما أفتت به اللجان الشرعية التي كونتها هذه البنوك. فهذه الصيغة من التحايل لا تختلف عن حقيقة ما تمارسه من تعامل ربوي صرف.

إن مادة كلمة الربا تعني الزيادة والنمو، فقد جاء في لسان العرب بأن الأصل فيه هو الزيادة من ربا المال إذا زاد، فالمعنى اللغوي المجرد يعتبر زيادة في ذات الشيء، وهذا المعنى قد ورد في القرآن الكريم عند الحديث عن الربا في قوله ـ تعالى ـ: {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 278 - 279]، وقوله ـ تعالى ـ: {وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ} [الروم: 39].

والزيادة على المال المقرض إنما هو من أجل التأجيل كما أشار إليه أبو بكر الجصّاص في كتابه (أحكام القرآن)، يقول: (معلوم أن ربا الجاهلية إنما هو قرض مؤجل بزيادة مشروطة، وكانت الزيادة بدلاً من الأجل، فأبطله الله تعالى) (1). وهذا المفهوم يؤكده الإمام الرازي في تفسيره بقوله: (إن ربا النسيئة ـ التأجيل ـ هو الذي كان مشهوراً في الجاهلية؛ لأن الواحد منهم كان يدفع ماله لغيره إلى أجل على أن يأخذ منه كل شهر قدراً معيناً ورأس المال باق بحاله، فإذا حلَّ طالبه برأس ماله، فإن تعذر عليه الأداء زاده في الحق والأجل) (2).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير