تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الأعمال التي تمارسها هذه البنوك والمبنية على أسس ربوية: المتاجرة بالاستثمارات المالية في الأسواق الدولية، ومن ضمنها المضاربة في سوق السلع المستقبلية (بورصة البضائع)، حيث يتم احتساب أرباح المعاملات التي تمارسها وفق ما أطلق عليه المرابحة في سوق السلع المستقبلية وفق المعادلة الربوية في احتساب الأرباح، والمتمثلة في احتساب الربح على أساس القيمة، والمدة الزمنية للتمويل، ومعدل الربح (نسبة الفائدة).

ومن هنا نلاحظ أن صيغة التورق المعمول بها من قِبَل البنوك في توفير التمويل لمن يحتاج إليه؛ إنما هي وسيلة لإيجاد المخرج لاستحلال الربا تحت مسمى الشراء والبيع في السوق الدولية للسلع، فالقصد من بيع المرابحة للسلع التي يتم التعامل بها في سوق المعادن الدولي (البورصة)، ومن ثم بيعها لصالح المشتري من البنك إنما قصد من ذلك استحلال الإقراض أو الاقتراض، يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ فيما يتعلق بارتباط المقاصد بالأعمال: (ولعن اليهود إذ توسلوا بصورة عقد البيع على ما حرمه عليهم إلى أكل ثمنه، وجعل أكل ثمنه لما كان هو المقصود بمنزلة أكله في نفسه ..... فعلم أن الاعتبار في العقود والأفعال بحقائقها ومقاصدها دون ظواهر ألفاظها وأفعالها، ومن لم يراع القصود في العقود وجرى مع ظواهرها يلزمه أن لا يلعن العاصر (أي عاصر الخمر)، وأن يجوز له عصر العنب لكل أحد، وإن ظهر له أن قصده الخمر .... وقاعدة الشريعة التي لا يجوز هدمها أن المقاصد والاعتقادات معتبرة في التصرفات والعبارات؛ كما هي معتبرة في التقربات والعبادات، فالقصد والنية والاعتقاد يجعل الشيء حلالاً أو حراماً، وصحيحاً أو فاسداً، وطاعة أو معصية، كما أن القصد في العبادة يجعلها واجبة أو مستحبة أو محرمة، أو صحيحة أو فاسدة) (2)، وقال في موضع آخر: (ولهذا مسخ الله اليهود قردة لما تحيّلوا على فعل ما حرمه الله، ولم يعصمهم من عقوبته إظهار الفعل المباح لما توسلوا به إلى ارتكاب محارمه، ولهذا عاقب أصحاب الجنة بأن حرمهم ثمارها لما توسلوا بجذاذها مصبحين إلى إسقاط نصيب المساكين، ولهذا لعن اليهود لما أكلوا ثمن ما حرم الله عليهم أكله ولم يعصمهم التوسل إلى ذلك بصورة البيع، وأيضاً فإن اليهود لم ينفعهم إزالة اسم الشحوم عنها بإذابتها، فإنها بعد الإذابة يفارقها الاسم وتنتقل إلى اسم «الودك»، فلما تحيلوا على استحلالها بإزالة الاسم لم ينفعهم ذلك) (3)، وهذا هو واقع ممارسة البنوك لصيغة التورق بالشراء والبيع، وتغير مسمى الربا (الفائدة) باسم الربح في المعاملات التي تجريها البنوك لا ينزع عنها صفة الربا، وأن ما يؤخذ من ربح هو ربا على المال المقرض، وكذا ما يعطى على المال المقترض؛ وإن تغيرت المسميات، وإن عمل عقود باسم بيوع التقسيط أو المرابحة أو شراء السلع وبيعها في سوق السلع المستقبلية (البورصة) لا يغير من طبيعة التعامل ومقصده وغايته.

إن النتيجة التي يمكن التوصل إليها في نهاية هذه الدراسة هو أن ما يتم من استحلال للربا وتصويره للناس بأنه تورق جائز شرعاً، وأن ما يؤخذ من ربا تحت مسمى المرابحة أو بيوع التقسيط وإطلاق المسميات كالتورق المبارك، وتيسير التمويل، وبرنامج نقاء، وغير ذلك من المسميات؛ لا يغير من حقيقة هذه الصيغ من أن التعامل هو تعامل ربوي محرم لا يجوز للمسلم التعامل به؛ بأي صورة من صور التعامل التي تسعى البنوك إلى تصويرها للناس بأنها صيغ تتوافق مع الشريعة الإسلامية، حتى لو تم الادعاء بأنها قد أجيزت من اللجان الشرعية التي شكلتها تلك البنوك.


(1) المعجم الوسيط، الجزء الأول، ص 802.
(2) الحيل الفقهية في المعاملات المالية محمد بن إبراهيم، ص 32، الناشر الدار العربية للكتاب 1983م، وهي رسالة علمية قدمها صاحبها للجامعة التونسية عام 8791م.
(3) أعلام الموقعين، الجزء الثالث، ص 252، المكتبة العصرية.
(4) الموافقات، للشاطبي، الجزء الثالث، ص 582.
(5) المرجع السابق، الجزء الثاني، ص 082.
(6) أعلام الموقعين، لابن القيم، الجزء الثالث، ص 321.
(1) أعلام الموقعين، الجزء الثالث، ص 421 ـ 621.
(2) الحيل الفقهية، مرجع سابق، ص 331.
(3) المغني، لابن قدامة، الجزء الرابع، ص 26.
(4) أعلام الموقعين، الجزء الثالث، ص 281.
(5) الحيل الفقهية، مرجع سابق، ص 431.
(6) الفتاوى، الجزء 3، ص 431، طبعة عام 1386 هـ.
(1) أحكام القرآن، الجزء الأول، ص 481.
(2) تفسير الرازي، الجزء الرابع، ص 58.
(3) بداية المجتهد ونهاية المقتصد، لابن رشد، الجزء الثاني، ص 441.
(1) أعلام الموقعين، الجزء الثالث، ص 281.
(2) المرجع السابق، الجزء الثالث، ص 281 ـ 381.
(3) المرجع السابق، الجزء الثالث، ص 871.
(4) الحيل الفقهية، مرجع سابق، ص 641.
(5) الحيل الفقهية، مرجع سابق، ص 741.
(6) أعلام الموقعين، لابن القيم، مرجع سابق، الجزء الثالث، ص 381.
(1) أعلام الموقعين، لابن القيم، مرجع سابق، الجزء الثالث، ص 271.
(2) أعلام الموقعين، لابن القيم، الجزء الثالث، ص 701 ـ 801.
(3) المرجع السابق، الجزء الثالث، ص 421.

كتبه
عَبْد اللَّه بن محمد زُقَيْل
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير