تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

عليهم. مثلاً نزلت آيات الصيام ولم يذكر فيها حكم الأكل والشرب بالنسيان في

الصوم، فجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقال يا رسول الله أكلت

ناسيًا في الصوم، فأفتاه النبي صلى الله عليه وسلم بأن صومه صحيح؛ لأن الخطأ

والنسيان معفو عنهما مستنبطًا من قوله تعالى: ? وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ

وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ? (الأحزاب: 5) فهل يقال إن هذا الحديث مخالف للقرآن

لأنه ليس فيه أن الصوم لا يفسده الأكل بالنسيان، أو يقال إنه لم يكن للنبي عليه

السلام أن يستنبط هذا الحكم من الآية الأخرى التي لا تتعلق بالصوم؟

وهنا نريد أن نسأل هؤلاء المنكرين على الحديث: إذا كان يجوز لكم أن

تستنبطوا من القرآن كل ما تريدون وتفسرونه كما تفهمون، مع بُعدكم عن العصر

والمحيط اللذين نزل فيهما القرآن، ومع كونكم أعجامًا من غير أهل اللسان، أفما

كان يحق هذا لمن نزل عليه القرآن، وأُمر بتبيينه وكان أفصح أهل اللسان؟ بلى

هو أحق الناس بالبيان والاستنباط من القرآن.

تفاوت الأفهام:

ثم لا يخفى على أحد أن كل الناس ليسوا سواء في الاستعداد والفهم، وصفاء

الذهن، ولهذا السبب يقرأ القرآن الحكيم كل أحد؛ ولكنهم يختلفون في فهم معانيه،

فالعالم يفهم منه ما لا يفهم الجاهل، والعلماء أيضًا متفاوتون في الفهم والعلم

? وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ? (يوسف: 76) وقد أمرنا الله تعالى بالرجوع إلى

العلماء في قوله: ? فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ? (النحل: 43) وبين

اختلاف الناس في درجات الفهم بقوله: ? هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ

يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ? (الزمر: 9).

كيف وجدت الأحاديث:

إذا سلَّمنا هذين الأمرين - أعني أن النبي عليه السلام كان مأمورًا بتبيين

القرآن، وأحق الناس به وبالاستنباط منه، وأن الناس متفاوتون في الاستعداد والفهم -

فلنتصور أنه إذا نزل حكم في القرآن في واقعة ما، ثم بعد ذلك حدثت حادثة أخرى

مثلها أو تشابهها أو تختلف عنها قليلاً في الظاهر، واشتبه على بعض الصحابة أن

ذلك الحكم هل ينطبق على هذه الحادثة الجديدة أم لا؟ فما الطريقة المعقولة لحل هذا

الأشكال؟ أليست الطريقة المعقولة أن يرجعوا إلى صاحب الوحي ويسألوه عن ذلك؟

فإذا سألوا النبي عليه السلام، فماذا كان يجب عليه أن يعمله؟ أيسكت عن جوابهم

ويتركهم حيارى؟ أم يكتفي بتلاوة الآية التي ما فهموها تمامًا، ولم يظهر لهم وجه

انطباقها على الواقعة الجديدة؟ أم يوضح لهم ما أُشكل عليهم بحيث يطمئن إليه

الخاطر؟ لا شك أن الصورة الأخيرة هي المتعينة؟ فإذا أجاب على سؤالهم وبيَّن لهم

ما اشتبه عليهم، فهل كان يحرم عليهم أن يخبروا غيرهم بتلك القصة، أو إذا وقعت

تلك المسألة لغيرهم فهل كان محظورًا عليهم أن يُعلِّموه كما علَّمهم الرسول عليه

السلام؟ لا أظن أن عاقلاً يقول بهذا، بل كل عاقل يقول إنه كان الواجب عليهم تعليم

الجاهل وهداية الحيران، وكذلك فعلوا! فهذا هو (الحديث) في اصطلاح المسلمين.

الرواية أمر ضروري:

لا مندوحة لعلم من العلوم ولا لشأن من شؤون الدنيا عن النقل والرواية

لأنه لا يمكن لكل إنسان أن يكون حاضرًا في كل الحواداث، فإذًا لا يتصور علم

الوقائع للغائبين عنها إلا بطريق الرواية شفاهًا أو تحريرًا، وكذلك المولودون بعد

تلك الحوادث لا يمكنهم العلم بها إلا بالرواية عمن قبلهم، هذه تواريخ الأمم الغابرة

والحاضرة والمذاهب والأديان ونظريات الحكماء والفلاسفة وتجارب العلماء

واختراعاتهم هل وصلت إلينا إلا بطريق النقل والرواية؟

فهل كان الدين الإسلامي بدعًا من الحوادث حتى لا تُنقل أحكامه وأخباره بهذا

الطريق؟ أم كان الواجب اتخاذ طريق آخر لنقل أقوال الرسول عليه السلام وأخباره

غير الرواية؟

لنفرض أن هؤلاء المنكرين على رواية الحديث أصبحوا زعماء لمن كان على

شاكلتهم، فهل هناك طريقة - غير الرواية - لتبليغ استنباطاتهم وتحقيقاتهم لأفراد

جماعتهم البعيدين عن حلقات دروسهم أو الذين سيولدون بعدهم، خصوصًا إذا كانوا

في بلاد لا توجد فيها المطابع ووسائط الاستخبار الحديثة، مثل البريد والبرق،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير