الدين؟ وهو الذي ضرب أبا هريرة في صدره بين ثدييه ضربة ألقاه على استه وفي
يده نعلا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ بعثه يخبر: (من لقي الله يشهد ألا
إله إلا الله مستيقنًا بها قلبه دخل الجنة)، فذهب أبو هريرة مجهشًا إلى النبي -
صلى الله عليه وسلم - شاكيًا له من عمر، فجاء عمر في خلف أبي هريرة، فقال
صلى الله عليه وسلم: ما حملك على ما فعلت؟ قال: يا رسول الله، بأبي أنت
وأمي، أبعثت أبا هريرة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (نعم) قال: فلا تفعل، فإني
أخشى أن يتكل الناس عليها فخلهم يعملون. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(فخلهم)، هذا معنى ما رواه مسلم في صحيحه، فهل عمر بعد هذا يقول ما رواه
عنه ابن حميد والحسن؟ وأي الإسنادين أصح؟ وأيهما أحق أن نأخذ به عن عمر؟
على أن شدة عمر في الدين لا تخفى على أحد ممن شم رائحة الإسلام.
وقد روي عنه أنه كان يقول: يا ليت أم عمر لم تلد عمر. وكان يقول:
ليتني شجرة تعضد. ونحو هذا كثير في السير، ثم كيف يقول هذا القول أبوهريرة
وهو صاحب القصة، ويتكلم في فناء النار، وهو وغيره من الصحابة كانوا
أحرص الناس على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرغبهم عن الخوض
فيما ليس لهم به علم؟ وقد كان يكون عند بعضهم الخبر عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم يكتمه خشية افتتان الناس به فلا يفشه إلا عند موته تأثمًا، يعلم هذا كل
من قرأ الصحيحين وغيرهما من كتب السنة، ولست أظن أن ابن القيم لم ير ذلك
وهو الإمام الحافظ المطلع على ما لعلنا لم نطلع عليه ولم نره للآن، ولكن لم يكن
معصومًا من الخطأ والنسيان، ومن لم يكن عنده علم باصطلاح المحدثين وتحريهم
صحة السند وقولهم في الرجال وقبولهم الحديث الصحيح، وردهم ما لم يصح ولو
كان في سنده أقل علة، من لم يكن عالمًا بذلك، فحسبه مقدمة صحيح مسلم ليعلم ما
شرطه - وهو دون البخاري - وهذا كله دائر حول حديث رسول الله صلى الله
عليه وسلم لا عمر ولا غيره.
فلهذا يرى مريد الحق أن هذه الروايات غير صحيحة عن الصحابة - رضي
الله عنهم - وهي أشبه بقول اليهود الذين غرهم في دينهم ما كانوا يفترون وأرادوا
تغرير المسلمين وخدعهم، وقوله: قال النبي صلى الله عليه وسلم ص18 من
الجزء الأول: (أما أهل النار الذين هم أهلها) إلخ، فلم ندر حاله، ولم يسنده، ولم
يعزه.
ثم قال: ولا يناقض هذا قوله تعالى:] خَالِدِينَ فِيهَا [(البقرة: 162) ,
وقوله:] وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ [(الحجر: 48) هكذا قلت، والصحيح] وما
هم بخارجين منها [، ولم أدر ممن الخطأ في الآية؛ لأن] وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ [
قيلت في أهل الجنة من سورة الحجر فليعلم.
يقول رحمه الله: لا تناقض بين إخباره تعالى عن أهل النار بأنهم خالدون
فيها وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم بعد التصحيح، وبين فنائها؛ أي: إن
خلودهم فيها يكون ما دامت، ويالله العجب، ومن أين له عدم دوامها وقد دلت
الآيات والأحاديث على بقائها باللزوم وإن كانت لم تصرح ببقائها؛ لأنها ليست
مقصودة بالذات، ولأنها لم تخلق إلا لأهلها؟ فما داموا فيها فهي دائمة، فهم المحور
الذي يدور عليه الجزاء بقاءً وفناءً، لا النار التي لم تكن لولاهم، ولم توجد إلا لهم،
فكيف عكس الأمر رحمه الله وجعل الأخبار دائرة حول النار ولها؟ فإن قيل: إنهم
خلقوا لها كما قال تعالى:] وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الجِنِّ وَالإِنسِ [
(الأعراف: 179) إلخ، قلنا: هذا يدل على بقائها أيضًا، وكان خلقهم
أدل على بقائها؛ إذ قال الله تعالى:] وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ [
(المائدة: 37) وقد أخبر الله تعالى عن بقاء النار وأهلها بكل لفظ أخبر به عن
بقاء الجنة وأهلها، يعلم هذا من قرأ القرآن وتدبره، فكما قال تعالى في الجنة:
] خالدين فيها أبدًا [، كذلك قال في النار، فلا يستطيع أحد بعد هذا أن يوجد فرقًا
بين الخبرين واللفظ واحد، ولئن قال في الجنة:] عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ [(هود:
108)، فقد قال في النار:] َعذَابٌ مُّقِيمٌ [(المائدة: 37)، بل قال في الجنة
¥