تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الأرض والسموات، والمجهول أوله وآخره كالذي لا أول له ولا نهاية، فلذلك - والله

أعلم - صور لنا الخلود لنعلم عظمه بالنسبة لبقاء الدنيا وعمرنا القصير فيها، فأما

المؤمن فيفرح بنعيمه الخالد في الجنة، وأما المنافق فيحزن حزنًا شديدًا وتنغص عليه

حياته إذا سمع هذا الوعيد الشديد، فالأول تعلو همته ويقتحم الشدائد بقلب ملؤه الصبر

والأمل والسرور، وذاك يجاهد ليذب عنه هذه الزواجر ويفر منها فرار الحمر

المستنفرة وهي في إثره حتى ينقلب في هوة العذاب السحيق وبئس المصير.

وبعد، فإما أن تكون هذه الآيات متشابهة أو محكمة، فإن كانت متشابهة فقد

كان على الفنائيين أن يقولوا آمنًا؛ عملاً بقوله تعالى:] وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ يَقُولُونَ

آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا [(آل عمران: 7) وما كان لهم أن يكثروا الكلام

ويطيلوا الخصام ويقْفوا ما ليس لهم به علم من صفات الله وأسمائه، ويتحكموا في

حكمته ومشيئته بعلمهم القاصر [9] وأن لله أسماء وصفات لا يعلمها للآن أحد كما ورد

في حديث: (وأسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته

أحدًا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك) إلخ، وحديث الشفاعة إذ يعلم

الله تعالى رسوله محامد يحمده بها، ولا ريب أن المحامد تكون على أسماء تقتضيها

وتستحقها، والله أعلم، أفما كان الأولى بهم أن يسكتوا بعد أن يقولوا آمنا به. إلخ

ذوإن كانت محكمة فالأمر ظاهر ولا داعي للخلاف والجدال والقول على الله بلا علم

ولنا أسوة بالصحابة الذين كانوا يسألون عما يعنيهم فيقولون: يا رسول الله، ما

أفضل الأعمال؟ ودُلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة إلى غير ذلك.

ولعل في هذا الآن كفاية

(وله بقية)

عبد الظاهر محمد


(1) المنار: ليس في بقية الكلام جواب لقوله: وإذ قد عرفنا.
(2) المصراع من بيت للمتنبي وهو:
وأخفت أهل الشرك حتى أنه لتخافك النطف التي لم تخلق
(3) جعل عبارة الأساس من المجاز وهي فيه من الحقيقة ومزية الأساس على سائر كتب اللغة التفرقة
بين الحقيقة والمجاز.
(4) المنار: ما نقله عن اللسان في تفسيرهما لا يدل على معنى البقاء الذي لا نهاية له، فإن المقيم
في دار لا يخرج منها كالمالك لداره ليس بباق هذا البقاء لا هو ولا داره بل كانوا يطلقون هذا على من
شأنه المكث وعدم التحول كما يتحول البدوي والذي يقيم في الدور المستأجرة، وإنما البقاء الذي لا
نهاية له اصطلاح شرعي لا لغوي، فلم يكن هذا المعنى معروفًا عند عرب الجاهلية.
(5) لا معنى لنفي النسخ لأنه خاص بالأحكام.
(6) فسر بعضهم الرحمة هنا بالجنة وبعضهم بالتوفيق لِمَا تستحق به، والمعنى أنه يدخل المؤمنين
المتقين في جنته وأعد للظالمين - لأنفسهم بالكفر وكبائر المعاصي - عذابًا أليمًا، إذا ماتوا على ذلك
الظلم ولم يتوبوا منه. وليس فيها ما ذكر من معنى الحصر في أن رحمته لا يُدْخِل فيها إلا الذين لم
يتصفوا بالظلم المقابل للعدل - وإنما معناها أن ما أعده للظالمين من حيث هم ظالمون هو العذاب
الأليم إن ماتوا على ظلمهم ولم ينلهم العفو، وما كل ما أعد لقوم ينالهم كلهم، والوعيد بإعداد العذاب
دون الوعيد بوقوعه كقوله تعالى: [ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارًا خالدًا فيها وله
عذاب مهين] وقد روي تخصيص تعدي الحدود هنا بمخالفة أحكام المواريث المذكورة قبله، وأهل
السنة مجمعون على جواز العفو عن العاصي بذلك وبغيره، والظالم بغير الشرك بالله، وهم يؤلون
هذه الآية الجازمة بخلود العاصي في النار والعذاب المهين كما يؤول القائلون بانتهاء عذاب الكفار
الآيات الواردة فيهم. وغرضنا هنا بيان أن الحصر الذي قال الكاتب: إنه لا مجال للشك فيه غير
صحيح وقد ذكر الله تعالى أن ممن أورثهم الكتاب من المصطفين من عباده مَن هو ظالم لنفسه،
فالظلم كالفسق والإجرام يطلق في القرآن على الكفر تارة وعلى المعاصي أخرى. وآية الفتح التي
جعلها الكاتب مثل هذه الآية وردت في تعليل كف أيدي المؤمنين عن القتال يوم فتح مكة وفُسِّرَت
الرحمة فيها بالإسلام.
(7) أن الفرق عندهم جلي وإن كان لا يدل على فناء النار - وابن القيم لا يقول به - وهو أن الخبر
الأول جاء عقب الخبر بإدخال المؤمنين الصالحين الجنة بغير استثناء، والثاني جاء في كون الذين
شقوا في جهنم خالدين فيها إلا ما شاء الرب تعالى وهذا الاستثناء مبهم، فقالوا: لا نعلم ما يريده به
وبهم، ومنهم من كان لهم في القرآن أعلى التأمل لا أدناه، وإن جاز عليهم الخطأ كما يجوز على
غيرهم.
(8) يرِد على الكاتب ما نقله هو عن عمر من تمنيه لو كان شجرة تعضد، وروي نحو هذا عن
الصديق الأكبر.
(9) يرِد على هذا أن ابن القيم قال بالتفويض والوقوف عند قوله تعالى (إن ربك حكيم عليم) وجعله
نهاية الأقدام في السير في هذا المقام، وهو ذو العلم الواسع بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه
وسلم.

((مجلة المنار ـ المجلد [22] الجزء [7] صـ 553 ذو القعدة 1339 ـ أغسطس 1921))

وهاكم فى ملف مجمع:
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير