ومفسداتهما ونحو ذلك مما توقف بيانه على السنة، وكذلك أبواب الربا وجنسه
ونوعه وما يجري فيه وما لا يجري، والفرق بينه وبين البيع الشرعي، وكل هذا
البيان أخذ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برواية الثقات العدول عن مثلهم
إلى أن تنتهي السنة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فمن أهمل هذا
وإضاعه فقد سد على نفسه باب العلم والإيمان، ومعرفة معاني التنزيل والقرآن.
(الأصل الثاني) أن الإيمان أصل له شُعب متعددة كل شعبة منها تسمى
إيمانًا فأعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، فمنها ما
يزول الإيمان بزواله إجماعًا كشعبة الشهادتين، ومنها ما لا يزول بزوالها إجماعًا
كترك إماطة الأذى عن الطريق، وبين هاتين الشعبتين شعب متفاوته منها ما يلحق
بشعبة الشهادة ويكون إليها أقرب، ومنها ما يلحق بشعبة إماطة الأذى ويكون إليها
أقرب، والتسوية بين هذه الشعب في اجتماعها مخالف للنصوص، وما كان عليه
سلف الأمة وأئمتها، وكذلك الكفر أيضًا ذو أصل وشعب، فكما أن شعب الإيمان
إيمان، فشعب الكفر كفر، والمعاصي كلها من شعب الكفر كما أن الطاعات كلها
من شعب الإيمان، ولا يسوى بينهما في الأسماء، والأحكام، وفرق بين من ترك
الصلاة والزكاة والصيام وأشرك بالله أو استهان بالمصحف، وبين من سرق، أو
زنى، أو شرب، أو انتهب، أو صدر منه نوع من موالاة [1] كما جرى لحاطب،
فمن سوى بين شعب الإيمان في الأسماء والأحكام، وسوى بين شعب الكفر في
ذلك فهو مخالف للكتاب والسنة، خارج عن سبيل سلف الأمة، داخل في عموم
أهل البدع والأهواء.
(الأصل الثالث) أن الإيمان مركب من قول وعمل، والقول قسمان: قول
القلب وهو اعتقاده، وقول اللسان وهو التكلم بكلمة الإسلام، والعمل قسمان: عمل
القلب وهو قصده واختياره ومحبته ورضاه وتصديقه وعمل الجوارح كالصلاة
والزكاة والحج والجهاد ونحو ذلك من الأعمال الظاهرة، فإذا زال تصديق القلب
ورضاه ومحبته لله وصدقه زال الإيمان بالكلية، وإذا زال شيء من الأعمال
كالصلاة والحج والجهاد مع بقاء تصديق القلب وقبوله فهذا محل خلاف هل يزول
الإيمان بالكلية إذا ترك أحد الأركان الإسلامية كالصلاة والحج والزكاة والصيام أو لا
يكفر؟
وهل يفرق بين الصلاة وغيرها أو لا يفرق؟ وأهل السنة مجمعون على أنه
لابد من عمل القلب الذي هو محبته ورضاه وانقياده، والمرجئة تقول: يكفي
التصديق فقط ويكون به مؤمنًا، والخلاف - في أعمال الجوارح - هل يكفر أو لا
يكفر؟ واقع بين أهل السنة، والمعروف عند السلف تكفير من ترك أحد المباني
الإسلامية كالصلاة والزكاة والصيام والحج، والقول الثاني أنه لا يكفر إلا من
جحدها، والثالث الفرق بين الصلاة وغيرها.
وهذه الأقوال معروفة. وكذلك المعاصي والذنوب التي هي فعل المحظورات
فرقوا فيها بين ما يصادم أصل الإسلام وينافيه وما دون ذلك، وبين ما سماه الشارع
كفرًا وما لم يسمه، هذا ما عليه أهل الأثر المتمسكون بسنة رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - وأدلة هذا مبسوطة في أماكنها.
(الأصل الرابع) أن الكفر نوعان: كفر عمل وكفر جحود وعناد وهو أن
يكفر بما علم أن الرسول جاء به من عند الله جحودًا وعنادًا من أسماء الرب،
وصفاته، وأفعاله، وأحكامه التي أصلها توحيده وعبادته وحده لا شريك له، وهذا
مضاد للإيمان من كل وجه، وأما كفر العمل فمنه ما يضاد الإيمان كالسجود
للصنم، والاستهانة بالمصحف، وقتل النبي وسبه.
وأما الحكم بغير ما أنزل الله وترك الصلاة فهذا كفر عمل لا كفر اعتقاد، وكذلك
قوله: (لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض) [2] وقوله: (من أتى
كاهنًا فصدقه، أو أتى امرأة في دبرها فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله
عليه وسلم -[3] فهذا من الكفر العملي وليس كالسجود للصنم والاستهانة بالمصحف
وقتل النبي - صلى الله عليه وسلم - وسبه وإن كان الكل يطلق عليه الكفر وقد
سمى الله سبحانه من عمل ببعض كتابه وترك العمل ببعضه مؤمنًا بما عمل به،
وكافرًا بما ترك العمل به، قال تعالى:] وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلاَ
تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ [(البقرة: 84) إلى قوله:] أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكِتَابِ
¥