وقوله:] وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا [(الأعراف:
137) وقوله:] وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً [(الأنعام: 115)، وقوله:
] وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ [(آل عمران: 152).
وكذلك وصفه نفسه بالعلم والقوة والرحمة ونحو ذلك كما في قوله:] وَلاَ
يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ [(البقرة: 255)، وقوله:] إِنَّ اللَّهَ هُوَ
الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ [(الذاريات: 58)، وقوله:] رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ
رَّحْمَةً وَعِلْماً [(غافر: 7)، وقوله:] وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [(الأعراف:
156) ونحو ذلك مما وصف به نفسه في كتابه وما صح عن رسوله صلى الله
عليه وسلم.
فإن القول في جميع ذلك من جنس واحد، ومذهب سلف الأمة وأئمتها أنهم
يصفونه بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم في النفي
والإثبات، والله سبحانه وتعالى قد نفى عن نفسه مماثلة المخلوقين فقال الله تعالى:
] قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ [
(الإِخلاص: 1 - 4) فبين أنه لم يكن أحد كفوًا له، وقال تعالى:] هَلْ تَعْلَمُ لَهُ
سَمِياًّ [(مريم: 65) فأنكر أن يكون له سمي، وقال تعالى:] فَلاَ تَجْعَلُوا لِلَّهِ
أَندَاداً [(البقرة: 22)، وقال تعالى:] فَلاَ تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ [(النحل:
74)، وقال تعالى:] لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [(الشورى: 11) ففيما أخبر به عن
نفسه من تنزيهه عن الكُفْوِ والسَمِيِّ والمثل والنِّدِّ وضرب الأمثال له - بيان أن لا
مثل له في صفاته ولا أفعاله؛ فإن التماثل في الصفات والأفعال يتضمن التماثل في
الذات؛ فإن الذاتين المختلفتين تمتنع تماثل صفاتهما وأفعالهما؛ إذ تماثل الصفات
والأفعال يستلزم تماثل الذوات؛ فإن الصفة تابعة للموصوف بها، والفعل أيضًا تابع
لفاعله، بل هو مما يوصف به الفاعل، فإذا كانت الصفتان متماثلتين كان الموصوفان
متماثلين، حتى إنه يكون بين الصفات من التشابه والاختلاف بحسب ما بين
الموصوفين كالإنسانين لمَّا كانا من نوع واحد؛ فتختلف مقاديرهما وصفاتهما بحسب
اختلاف ذاتيهما ويتشابه ذلك بحسب تشابه ذلك)
(فالقول في صفاته كالقول في ذاته، والله تعالى ليس كمثله شيء لا في ذاته
ولا في صفاته، ولا في أفعاله، لكن يُفْهَم من ذلك أن نسبة هذه الصفة إلى
موصوفها كنسبة هذه الصفة إلى موصوفها، فعلم الله وكلامه ونزوله واستواؤه هو
كما يناسب ذاته ويليق بها، كما أن صفة العبد هي كما يناسب ذاته وتليق بها،
ونسبة صفاته إلى ذاته كنسبة صفات العبد إلى ذاته، ولهذا قال بعضهم: إذا قال لك
السائل: كيف ينزل؟ أو كيف استوى؟ أو كيف يعلم؟ أو كيف يتكلم؟ ويقدر
ويخلق؟ فقل له: كيف هو في نفسه؟ فإذا قال: أنا لا أعلم كيفية ذاته. فقل له: وأنا
لا أعلم كيفية صفاته؛ فإن العلم بكيفية الصفة يتبع العلم بكيفية الموصوف. فهذا إذا
استعملت هذه الأسماء والصفات على وجه التخصيص والتعيين، وهذا هو الوارد في
الكتاب والسنة).
وقال في موضع آخر:
(ثم إن الله سبحانه وتعالى أخبرنا بما وعدنا به في الدار الآخرة من النعيم
والعذاب، وأخبرنا بما يؤكل ويشرب وينكح ويفرش وغير ذلك، فلولا معرفتنا بما
يشبه ذلك في الدنيا لم نفهم ما وعدنا به، ونحن نعلم مع ذلك أن تلك الحقائق ليست
مثل هذه حتى قال ابن عباس: ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء، وهذا تفسير
قوله:] وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً [(البقرة: 25) على أحد الأقوال، فبين هذه
الموجودات في الدنيا، وتلك الموجودات في الآخرة مشابهة وموافقة واشتراك من
بعض الوجوه، وبه فهمنا المراد وأحببناه ورغبنا فيه، وبينهما مباينة ومفاضلة لا
يُقَدَّر قَدْرَها في الدنيا، وهذا من التأويل الذي لا نعلمه نحن، بل يعلمه الله تعالى،
لهذا كان قول من قال: إن المتشابه لا يعلم تأويله إلا الله حقًّا، وقول من قال: إن
الراسخين في العلم يعلمون تأويله حقًّا، وكلا القولين مأثور عن السلف من الصحابة
والتابعين لهم بإحسان.
¥