وتسجل كتبهم التاريخية أنهم قتلوا من الأنبياء "حزقيال"، و"أشعيا بن آموص"، و"آرميا"، و"زكريا" و"يحيى بن زكريا" (14)، كما أنهم حاولوا قتل "عيسى"، و"محمد" عليهما الصلاة والسلام، وتواطؤا ضدهما وضد أتباعهما
وفي "التوراة" أن إسرائيل "النبي يعقوب" أصرّ على محق العرب الكنعانيين وعدم الاعتراف لكنعان بحق الحياة ((حتى لو اعتنق العرب اليهودية))، لأنها دين إسرائيل وحده (15)، وهذا أمر محرف، لأن يعقوب نبي الله ولا يصدر عنه هذا التصرف الظالم.
وفيها أيضاً أن كل البشر غير اليهود "كلاب" وخدم لليهود ففي أصل الديانة، وهي تقول على لسان اليهود:
((لم نأخذ أرضاً لعرب، ولم نستول على شيء لأجنبي، ولكنه ميراث آبائنا الذي كان أعداؤنا قد استولوا عليه ظلماً)) (16).
ويقول: ((استيلاء اليهود على ما يملكه الغوييم – أي غير اليهود – حق، وعمل تصحبه المسرة الدائمة)).
ويقول: ((يستحق القتل كل الغوييم – أي غير اليهود- حتى ذوو الفضل
منهم)).
فهل يمكن أن يؤتمن ناس هذه تعاليم كتبهم المقدسة على التراث الديني أو على الحضارة البشرية؟ ويقول القرآن الكريم {ذلك بأنهم كفروا بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق} (البقرة:61).
فهل يصلح ناس هذا موقفهم لحماية تراث الأنبياء؟
وأين موقف الإسلام والمسلمين من موقف اليهودية واليهود؟
ومن يا ترى – أولى بحفظ هذا التراث وحمايته؟
والمسلمون منذ أربعة عشر قرناً ينظرون إلى بيت المقدس نظرة تقديس، على أنه مركز لتراث ديني كبير تجب حمايته، وهم يربطون ربطاً كاملاً وثيقاً بين المسجد الحرام في مكة، والمسجد الأقصى في القدس، وينظرون إلى القدس نظرة تقترب من نظرتهم إلى مكة .. فإليهم يشدون الرحال، وفي كليهما تراث ديني ممتد في التاريخ، فإذا كان أبو الأنبياء إبراهيم قد وضع قواعد الكعبة في مكة، فإن جسده الشريف يرقد على مقربة من القدس في الخليل – فيما يرى كثير من الرواة والمؤرخين – وإذا كان المسلمون في كل بقاع الأرض أصبحوا يتجهون في صلاتهم إلى المسجد الأقصى، فإنهم لا ينسون أن نبيهم محمداً وأسلافهم الصالحين قد اتجهوا – قبل نزول آيات حديث القبلة إلى الكعبة- إلى المسجد الأقصى أولى القبلتين .. ولا زالت مدينة الرسول عليه الصلاة والسلام تضم مسجداً يسمى "مسجد القبلتين" شاهداً حياً على الترابط الديني بين مكة والقدس، والمسجد الحرام والمسجد الأقصى.
وإذا ذكر المسلم بحسه الديني الممتد ووعيه التاريخي الإسلامي "بيت المقدس" فإنه يذكر أنه المكان الذي كلم الله فيه موسى، وتاب على داود وسليمان، وبشر زكريا بحيى، وسخر لداود الجبال والطير، وأوصى إبراهيم وإسحاق أن يدفنا فيه، وفيه ولد عيسى (17)، وتكلم في المهد، وأنزلت عليه المائدة، ورفع إلى السماء، وماتت مريم (18)، إن هذا هو موقف المسلم من الأنبياء وتراثهم، ومن بيت المقدس، وهو موقف يقوم على التقدير والتقديس والشعور بالمسؤولية الدينية والتاريخية.
وعلى العكس من هذا الإحلال الإسلامي لبيت المقدس، وللأنبياء والأخيار الذين اتصلوا به – كان موقف اليهود فكل هؤلاء الأبرار الذين ذكرناهم وغيرهم قد نالهم من اليهود كثير من الأذى، ولولا عناية الله بهم لما أدوا رسالتهم، ولولا تنزيه القرآن لهم ودفاعه عنهم لوصل تاريخهم إلى البشرية مشوهاً بتأثير تحريف اليهود عليهم، وظلمهم لهم، كما نقلنا عن "توراتهم" في النصوص السابقة.
إن المسلم إزاء كل هذا يحس بمسئوليته الدينية العامة تجاه بيت المقدس، باعتباره مركزاً أساساً لتراث النبوة.
ووفقاً لتعاليم الإسلام فإنه ليس مسلم من لا يحمي تراث الأنبياء، - كل الأنبياء – من التدمير المادي أو التشويه المعنوي، وهو الأمر الذي سعى إليه اليهود في كل تاريخهم على مستوى الفكر حين حرفوا التوراة، وابتدعوا التلمود وملؤها بما لا يرضى الله ولا يقبله دين سماوي، وعلى مستوى التطبيق حين عاثوا في كل بلاد الله الفساد، وحاربوا كل الأنبياء، وأشعلوا الحروب، وجعلوا أنفسهم شعب الله المختار، وبقية الشعوب في منزلة الكلاب والأبقار، ولذا ينبغي على المسلم الصادق جهادهم دفاعاً عن شريعة الله الحقة، واستنقاذاً لتراثهم المعنوي والمادي، بل دفاعاً عن الحضارة الإنسانية كلها.
الهوامش
متفق عليه.
رواه الإمام أحمد.
متفق عليه.
رواه الإمام أحمد في مسنده.
انظر الأنس الجليل 1/ 260 - 266، ومحمد الفحام: المسلمون واسترداد بيت المقدس ص 34، وما بعدها نشر الأزهر، والإحرام جائز في الإسلام قبل الميقات، وهو أمر معروف والمهم أن لا تتعدى الميقات.
أنظر ابن سعد: الطبقات الكبرى 7/ 424، طبعة بيروت.
الطبقات 7/ 464.
الأنس الجليل/ 1/ 275 وما بعدها.
انظر ابن سعد/ الطبقات الكبرى 7/ 406.
انظر د. رشاد الإمام: مدينة القدس في العصر الوسيط ص 62 وما بعدها.
انظر حقيقة هذه الوحدة في الآيات (83 - 90).
سفر الملوك الثاني 21/ 12 - 15.
سفر الملوك الثاني 21/ 16 - 17.
سفر أشعيا 6/ 8 - 13.
سفر أشعيا 9/ 13 – 17.
انظر نبيل شبيب، الحق والباطل ص 18 – أخن – ألمانيا.
انظر سفر المكابين الثاني.
انظر سفر المكابين الثاني، انظر الأنس الجليل 1/ 239.
¥