خلاصة القول أن وصف لغاتنا المحكية المحلية بالعاميات هو أيضا وصف لا تستحقه بل هو أقل من واقعها لأن العامية تابعة للغتها الأم ولا تخرج خروجا كبيرا عنها.
لكننا نجد تعريفا إنجليزيا للعامية قد يناسبنا هنا ويزيل هذا الاضطراب في هذه التسمية حيث يقول التعريف
The term dialect is used in two distinct ways, even by linguists. One usage refers to a variety of a language that is characteristic of a particular group of the language's speakers.[6] The term is applied most often to regional speech patterns, but a dialect may also be defined by other factors, such as social class.[7] A dialect that is associated with a particular social class can be termed a sociolect; a regional dialect may be termed a regiolect or topolect. The other usage refers to a language socially subordinate to a regional or national standard language, often historically cognate to the standard, but not a variety of it or in any other sense derived from it. A dialect is distinguished by its vocabulary, grammar, and pronunciation (phonology, including prosody).
ما أهتم له هو الاستخدام الثاني وهو يشير إلى لغة تابعة للغة أخرى أكبر منها قد تكون لغة إقليمية تابعة للغة وطنية
وهذا الاستخدام أراه أدق وصف لوضع عامياتنا فهي لغات تابعة للغة العربية
إذن العاميات لغات إقليمية تابعة للغة العربية اللغة الوطنية
فليست لهجات ولا لغات مستقلة بل لغات تابعة
لكن ما الذي يعوق اللغات العامية لتكون لغات مستقلة وتنشئ أنظمتها الخاصة بها
في رأيي أن هذا أصعب مستوى يواجه العاميات ويفوق قدراتها بكثير وأرى استحالة تجاوزها هذه العقبة لأنها تقف وجها لوجه أمام العربية مدمرة اللغات المقتدرة على زلزلة عرش أي لغة في أي وقت مهما كانت قوتها فهي إما تمحو هذه اللغة من الوجود أو تدمرها وتحجم من سيطرتها الجغرافية وتحشرها في مكان واحد وتزاحمها فيه.
ولما كانت العاميات تابعة للعربية ما كان في قدرتها أن تحل مكانها لأنها تفتقر إلى العناصر الأساسية التي يجب أن تتوفر لأي لغة لتكون لغة مستقلة فضلا على أن عناصر القوة في العاميات مستمدة من العربية فلا يمكن أن تحارب الشيء بسلاحه صنعه هو.
فالعاميات تفتقر إلى الأمة الحضارية المتفوقة
وتفتقر إلى رسم يصف أصواتها
وتفتقر إلى قواعد منضبطة مستقلة
وإلى بنية صرفية مستقلة
وإلى أدب مدون وعلم مكتوب
وإلى أساليب غنية للتعبير والكلام
وتحتاج إلى أن تموت العربية ويمحى القرآن من الوجود وتزول السيرة النبوية وينسى الأدب العربي
وهذا كله مستحيل
ومن أكبر العوائق كون أهلها لا يريدون لها أن تكون مستقلة فالعربية عند الجميع هي لغة العلم والثقافة والخطاب الرسمي والخطب والمحافل والكتابة والقوانين والعقود والتوجيهات والإرشادات والأدب الرفيع.
أذكر مذيعا لقناة عامية لما أرادوا تقديم برنامج جاد حاول المذيع البدوي الجلف أن يتحدث الفصحى بإمكانياته الفقيرة وهذا يصور لنا أن في عميق تفكيره لا لغة كالعربية لتكون واجهة مشرفة لبرنامجه وقناته.
صحيح أن الللغة كائن لا يمكن السيطرة عليه لأنها لا تخضع لحكم الأفراد لكنها تخضع لحكم الجماعات فلا نستطيع فرض كلمة جديدة على جماعة معينة ولا نزع كلمة منهم بل لا بد أن يكون العقل الجماعي هو من يقرر التطور التالي بناء على القانون الذي صاغه اللغويون من دراسة تحركات هذا العقل الجماعي.
لذا فمن المستحيل أن تتجاوز العاميات مكانها الحالي بل إن العربية بدأت تزاحم العاميات في ألسنة العامة فنجد عودة صوت القاف في بعض الكلمات مدويا ففي جزيرة العرب لا أحد ينطق كلمة القلقة إلا بقاف عربية واضحة
بل نجد أمثالا وتعابير عربية تعود إلى ألسنة العامة بلفظها العربي
مثل من حفر حفرة لأخيه وقع فيها
ومن زرع حصد
وكلمة الآن بلفظها العربي
وفي بضع حالات شعورية تصدر تلك الألفاظ الفصيحة بسبب ارتفاع مستوى التعليم والاطلاع بين العامة وهذا يدل على مدى ضعف العاميات حين تواجه العربية حتى في ألسنة العامة التي هي الحصن الرئيسي لهذه العاميات.
وختاما هذه ليست دراسة متعمقة ولا حكما منتهيا
إنما هي تأملات كان سببها إطلاق لفظ لهجة على هذه العاميات
الآن أفتح باب الحوار حول الموضوع ولا يمكنني قبول الأحكام المسبقة التي تبنى على العاطفة ما لم يكن هناك دليل صريح يؤيدها وما دام الحق مطلبنا فيجب أن ندرك أن الحق ليس الذي نعتقده بل الحق الذي يؤيده الدليل فقط.
أنا لست ضد العامية ولا ضد العربية لأنني لا يمكن أن أكون ضد شيء لا أستطيع مواجهته
من كل قلبي أتمنى عودة الفصحى لغة وحيدة على ألسنة العامة
ولكن الله قضى على هذه الدنيا أن تسير بنظام خلقه مع خلقها
فلا يمكننا أن نكسر استقامة هذا النظام وتوازنه لأن النتيجة ستكون الفشل بلا شك
وشكرا