بعد هذه الرحلة الطويلة في ظلال النظم القرآني فإن اليقين يزداد والثقة تتجدد بخلود المعجزة القرآنية، وعلو بلاغة القرآن الكريم، وأن نظمه لا يتفاوت، فكلّه في البراعة سواء، فكما يظهر إعجاز القرآن في آيات القصص والعقائد، فهو كذلك ظاهر في آيات التشريع، فلا يظنن أحد أن آيات التشريع تقصر بلاغتها عن بلاغة الآيات الأخرى، فإنْ كان علماؤنا ـ جزاهم الله خيراً ـ قد وجهوا اهتماماتهم إلى آيات القصص والعقائد، فبيّنوا وجوه الإعجاز البياني فيها، ولم يلتفتوا كثيراً إلى آيات التشريع، فإن هذا لا يعني نزول هذه الآيات عن مستوى بلاغة الآيات المتحدثة عن العقائد والقصص، فكلها يتجلى فيها حسن البيان وبراعة التعبير، ومتانة الربط بين أجزائها، واستخدام الألفاظ المختارة المنتقاة ودقة وضع اللفظة في مكانها، بحيث يؤدي تغيرُ مكانها إلى فساد المعنى.
وهذه العلاقات التركيبية التي تشكل قانوناً لتأليف الكلام هي التي تَسِمُ الآيات ـ في القرآن كله ـ بعلو درجتها في البلاغة. وبسبب هذه السِمة انطوت على قوة تأثيرية تأسر عقل من يسمعها، وتستهوي فؤاده، فإنْ كان الكلام البليغ ذا أثر في النفس، فإن لسحر بيان القرآن الذي سما على كلّ كلام في بيانه سلطاناً لا يخفى على كوامن هذه النفس.
وحيث إن دراسة نظم آيات التشريع تجلّي عمل هذه الآيات في مخاطبة النفس البشرية، وحيث إن هذا النوع من الدراسة وضع قواعدَه النظرية علماؤنا الأقدمون ثم لم يغنوه بالتطبيق، فإني أنصح الدارسين كتابَ الله أن يتجهوا نحو دراسة إعجاز النظم القرآني في آيات التشريع.
- قصتكم مع الرسالة.
نشأت رغبتي في البحث في موضوع علم المعاني، منذ سنوات الدراسة الأولى (البكالوريوس)، حين درست مادة (أساليب البيان في القرآن/علم المعاني) مع فضيلة الأستاذ الدكتور فضل عباس، فوجد هذا العلم مكانه في قلبي، وقد كنت أدرس هذه المادة بشغف على الرغم من صعوبتها، وأعجبتني العلاقة التي تربط الأساليب البيانية بحال المخاطب، فهذه العلاقة تُبعد عن علم المعاني صفة الجمود التي قد توصف بها علوم أخرى، وتجعله قريباً إلى النفس، وتحفز العقل للبحث عن أسراره، وسبب تأثيره وقوته.
وحين انتقلت إلى مرحلة الدراسات العليا، وحان وقت اختيار موضوع للرسالة، لم أجد صعوبة في تحديد الاتجاه، فكنت أعرف من نفسي ميلها لعلم المعاني، لكن لم يكن لدي تصوّر معين عما سأبحثه في علم المعاني، فبدأت أبحث في النتاج العلمي والرسائل العلمية المتخصصة في هذا المجال، لأجد جانباً لم يُشبَع بحثاً، ولم يعطَ حقه من الدراسة، فكانت النتيجة أن معظم الدراسات، إن لم تكن كلها، تبحث في الجانب البياني، لآيات العقائد والقصص، أما آيات التشريع فوجدت القليل من الدراسات عُنيت بإبراز جمال تراكيبها البيانية، فاستقر الرأي على اختيار مجموعات متنوعة من آيات التشريع، وبحث نظمها، ودراسة الأساليب البيانية فيها، مما له علاقة بعلم المعاني، ولقي هذا الاختيار تشجيعاً من أساتذة الكلية الذين يُعنون بهذا التوجّه.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الرسالة لا تُعنى بجانب الإعجاز التشريعي، فقد يلتبس عنوانها على البعض، وإنما تبحث في إعجاز النظم القرآني في آيات التشريع، بمعنى تطبيق نظرية النظم، التي هي علم المعاني على آيات التشريع، وإبراز الجانب البياني في هذه الآيات.
إلا أن بعض العقبات واجهتني بعد أن بدأت بالبحث، تعود في أبرزها إلى تعلق هذا البحث بأكثر من علم، فكان لا بد من الرجوع إلى مراجع متنوعة، كالتفاسير، وكتب اللغة والبلاغة، وكتب الإعجاز، وكتب تراجم الأعلام. لكن بفضل الله، بذلت قصارى جهدي، وسخرت وقتي كله لهذه الرسالة، فخرجتْ بهذا الشكل، لكنها لا تخلو من التقصير والخلل، ذلك أنها جهد بشري، فأسأل الله العفو والمغفرة والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
ـ[أبو طلال العنزي]ــــــــ[29 May 2007, 02:02 ص]ـ
سؤال للأستاذة روضة
القسم لذي انتظمت فيه لدراسة الماجستير وإعداد هذه الرسالة، ما اسمه؟
سؤال أرجو الإجابة عليه
ـ[جمان]ــــــــ[13 Jan 2010, 05:41 ص]ـ
نتمنى من الدكتور الفاضلة / روضة فرعون أن تخبرنا إن تمت طباعة هذه الرسالة حالياً؟ وكيف يمكن الحصول على نسخة منها مشكورة؟
ـ[مسعد الشايب]ــــــــ[04 Apr 2010, 05:47 م]ـ
السلام عليكم اختى روضة اود تعريفى بكتب اخرى اهتمت بالنظم القرانى فانا على وشك تسجيل دكتوراه فى التفسير فى هذا الموضوع