وقال الفيومي في المصباح: والوجود خلاف العدم، وأوجد الله الشيء من العدم، فوُجِد فهو موجود، من النوادر مثل أجنه الله فجُن فهو مجنون.
وقد تكلم ابن تيمية عن اشتقاق ذلك وتصريفه في (نقض التأسيس) في موضع لا أذكره الآن.
ـ[أبو قصي]ــــــــ[09 - 09 - 07, 10:32 م]ـ
(موجود) في اللغةِ لها معنيانِ؛
الأول: بمعنى (مخلوق). وفعلُه المتعدي (أوجده) فهو (موجودٌ) على غيرِ القياسِ. ولا تقولُ: (وجدَه)؛ فإذا أردتَّ أن تبنيَه للمجهولِ قلتَ: (أُوجِد ووُجِد فهو موجودٌ). وكان الوجهَ أن يتفقَ الفعلُ المبنيّ للمجهول، والفعل المبني للمعلومِ المتعدي؛ فتقول: (وُجِد فهو موجودٌ)، (ووجدَه فهو موجودٌ)، كما تقولُ: (ضُرِب فهو مضروب)، و (ضرَبه فهو مضروبٌ)، ولكنهم ألزموا المجرَّد (وُجِد) البناء للمجهولِ، وعدَّوا إليه بالهمزةِ؛ فقالوا: (أوجدَه). ووجهُ ملازمةِ بعضِ الأفعالِ البناءَ للمجهولِ أن يكونَ المجرَّد المتعدي من الفعلِ مبنيٍّا للمجهولِ؛ فإذا أردتَّ ذكرَ فاعلِه لم تذكره منه؛ ولكنك تزيدُ الهمزةَ للتعديةِ؛ إذ الأصلُ أن المبني للمجهولِ الذي نائب فاعله أصلُه فاعلٌ أن يكونَ متعديًا بنفسِه، كما تقول: (ضربَ محمدٌ زيدًا)، و (ضُرِب زيد). و (ووُجِد) خارجٌ عن ذلك؛ فإن أصلَه المفترَض (وجَد الله الإنسانَ) فـ (وُجِد الإنسانُ). ولكنهم لم يعدوه بنفسِه كما هو مقتضَى القياسِ؛ وإنما عدَّوه بالهمزةِ. أريدُ بذلك كلِّه أنْ ليس معنى كونِ الفعلِ مبنيٍّا للمجهول أنه لا يجوزُ أن يُذكرَ فاعلُه البتةَ؛ وإنما معناه أنه لا يُذكَر فاعله بالفعلِ المجرّد؛ وإنما بزيادةٍ، كزيادةِ الهمزةِ.
والثاني: بمعنى (مدرَك). وفعلُه (وجدَه) أخو (ظنَّ) التي تتعدى لاثنينِ، لا (أوجده)؛ فهو موجودٌ. وإذا بنيتَه للمجهولِ قلتَ: (وُجِد فهو موجودٌ) إذ اسمُ المبني للمجهولِ هو اسمُ المفعولِ، إلا في الأفعالِ التي تلازمُ البناءَ للمجهولِ – وقد بينتُ الكلامَ على هذا آنفًا -.
ومن الثاني قولُه تعالى: ((ووجدَ الله عنده فوفاه حسابَه)). أما ما ذكرَ أخي أبو مالكٍ من أنَّ (موجودًا) من (وُجِد) فوهَمٌ منه. إذ الذي يلزمُ البناءَ للمجهولِ كـ (جُنَّ) هو (وُجِد) الذي بمعنى (خُلِق). أما الذي بمعنى (أدركَ) فيبنى للمعلوم والمجهولِ؛ تقولُ: (وجدتُّه) و (وُجِد الشيءُ)؛ قالَ امرؤ القيس:
ألم ترياني كلّما جئتُ طارقًا ** وجدتُّ بها طيبًا وإن لَّم تَطيَّبِ
وهذه فائدة؛ وهي أن كلَّ مبني للمعلوم متعدٍّ يجوزُ أن يُبنى له مبني للمجهولِ، وليس العكس، إلا بزيادةٍ – كما قدمنا -. وفائدة أخرى أن اسم المبني للمجهولِ هو اسمُ المفعولِ.
وعلى هذا فقولُه: ((موجود) ليس مأخوذا من (وَجَد)، لكن من (وُجِد)) ليس بصوابٍ؛ إذ خلطَ بينَ التي بمعنى الخلقِ، والتي بمعنى الإدراكِ؛ وآفةُ العلمِ الخلطُ.
ويلزمُه على هذا أن يكونَ ((ووجدَ الله عنده)) بمعنى (خلقَه) تعالى الله عن ذلك.
ويلزمُه أيضًا أن ينفيَ أن للمبني للمعلوم المتعدي اسمَ مفعولٍ، وأن يقصرَ اسم المفعولِ على المبني للمجهولِ؛ وهو خطأ – كما ذكرتُ -؛ إذ هما واحدٌ؛ فاسم المفعول من (ضرب زيدٌ عمرًا) هو (مضروب)، واسم المبني للمجهولِ من (ضُرِب زيدٌ) هو (مضروبٌ).
وقولي: (فإذا كان وجَده، فهو موجودٌ) فيه استدلالٌ على صحةِ (موجود)، لأن كلََّ ما له فعل مبني للمعلوم متعدّ يجوز أن يبنى له اسم للمبني للمجهولِ؛ فتقول: (وجدَه فهو موجودٌ)، و (وُجِد فهو موجودٌ) سواء كان مأخوذًا من (وجَد) أم من (وُجِدَ)، مع أن الآيةَ تثبت أن (موجودًا) يجوزُ أن تكونَ من (وجَد). وكذلك أصلُ الكلمةِ؛ إذ أصلُ (وُجِد) البناء للفاعلِ؛ فهي من (وجَدَه).
أبو قصي
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[10 - 09 - 07, 12:23 ص]ـ
وفقك الله يا أخي الفاضل
وددت يا شيخنا الكريم ألا تعجل إلى الوصف بالخلط؛ فإن آفة العلم العجلة.
فبحسب علمي لم يقل أحد من أهل العلم إن وصف الله عز وجل بـ (الموجود) مأخوذ من (وَجَدَ) التي تتعدى لمفعولين، التي هي أخت (ظن)، وإنما هي مقولة بالاشتراك أو التواطؤ على الخالق والمخلوق.
وهذه المسألة ليست بجديدة، فقد تكلم عنها أهل العلم في كتب الاعتقاد، وبينوا أن وصف الخالق والمخلوق بأنه (موجود) واحد، ولكن (وجود) كل شيء بحسبه، فـ (وجود) المخلوق يسبقه عدم، و (وجود) الخالق لا يسبقه عدم.
وهذا كما نصف الله عز وجل بأنه (شيء)، ونصف المخلوق بأنه (شيء)، ووصف كل شيء بحسبه، كما نقول: إن لله يدا وللمخلوق يدا، ويد كلٍ بحسبه إلى آخر هذا الباب.
فيا ليتك تذكر لنا مَن مِن أهل العلم ذكر أن وصف الله بـ (موجود) مأخوذ من (وَجَدَ) المتعدي لمفعولين.
وجزاك الله خيرا.
¥